في ذكرى رجل تجاوز الحلم بأكثر من الممكن..
“جمعة الشوان”
بقلم: أسامة حراكي
الأيام تفصل بين البشر أكثر مماتفصله المسافات، فقد وصلني خبر وفاته كالغريب، ربما هكذا أصبح زماننا أو ربما هكذا أصبحنا نحن، ففي تصفح ما في شبكة التواصل الاجتماعي، أهداني الفيس بوك نبأ رحيله، فقد أصبح النت أكثر وفاءً منا وأسرع علماً برحيل أصدقاءنا، في زمن أصبحت الأخبار بكل أنواعها الحزينة والسعيدة، التافهة والمهمة تصلنا باردة معلبة، وربما منتهية الصلاحية وكأن حياتنا تحولت إلى مجموعة من المسجات الإلكترونية، بعضها يزف إلينا التهاني والأخبار السعيدة، وبعضها يفجعنا بالأخبار الحزينة وينعي لنا وفاة شخص ربما كان يوم رفيق حلم، أو طريق أو جلسات أو طموح.
مات الرجل الذي ابكى العيون الوقحة، مات البطل الذي بهرني في سنوات طفولتي بقصته الجاسوسية في مسلسل دموع في عيون وقحة، مات الرجل الذي علمنا حب الوطن وحب الناس وحب الخير، وأدمن الوفاء وكان وعده لأهل وطنه وعد الشرفاء، مات الرجل الذي أحب السفر والسهر والأصدقاء، وحقق في واقع حياته مالم يحققه غيره بالأحلام، فهو رجل تجاوز الحلم بأكثر من الممكن، مات بعيدأ عن بدايات أمست النهايات أقرب منها بكثير، فقد كنت خارج مصر وعدت بعد رحيله وكم تمنيت أن اشارك في تشيعه، مات الرجل الذي أخرج خوف الكتابة من قلبي وراهن على أن روايتي ستنجح حين التقيته كي أُدون بعض ذكريات مراحل حروب حضرها وشارك فيها، وكانت معلوماته واجاباته خير معين لخروج روايتي للنور بعد أن رتب لذلك اللقاء الناشر الراحل الحاج مدبولي، وكان ذلك اللقاء في عام 2007 والذي اكتشفت فيه أحمد الهوان أو الملقب بجمعة الشوان الإنسان، الذي قدم لوطنه الواجب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عمل وجهد وتفان وإخلاص، وكانت أخر جلسة معه في اكتوبر 2010 لإجراء حوار لاحدى الصحف عن انتخابات مجلس الشورى وتوقعات نتائج انتخابات الشعب القادمة، والتي كانت نتيجتها نفس توقعاته ونبوءته أن هناك ثورة قادمة.
وكانت أخر زياراتي له بعدها بفترة وجيزة، وكان يصارع المرض نائماً، حيث كان المرض يخشاه كما كان الكثير من أشباه الرجال يخشونه، ولكن المرض كان قد بدأ يسكن جسده النقي من الخيانة، وأصبح ينام مستسلماً للمرض، ولن أقول لمرضه، لأن المرض لا يأتي حسب اختيارنا، المرض الذي ليس من بقايا الأهل والأصدقاء، لم يحدث أن أحب إنسان مرضه، ولم يحدث أن تمنى أحد المرض، فالمرض ضيف يأتي بلا دعوة، وهو الوجع والألم غير المرحب به تحت أي ظرف، لكن الرجل الذي زرع الشرف أينما حل، ولون الوجوه بالابتسامة أينما حضر، كان يرقد مستسلماً مؤمناً بالدعاء وبالقضاء والقدر، وبرحمة الله التي وسعت كل شيء.
واليوم تمر ذكرى رحيله، حيث رحل عنا في الأول من نوفمبر عام 2011 يغيب عنا لكنه سيبقى مشعاً في الذاكرة التي تضيء بأسماء اللامعيين الذين إذا مروا يوماً على هذه الأرض، يبقى منهم وإلى الأبد أثر طيب جميل، أو مثل ضوء لا يقوى عليه ظلام ولا نسيان.