عن اي شراكة أمنية إستراتيجية أمريكية عربية يتحدثون
في واشنطن
بقلم : يوحنا عزمي
يجب ان يعلم الرئيس الامريكي بايدن وإدارته ان علاقات الشراكة الإستراتيجية الأمريكية العربية ، والتي تحرص القيادات السياسية المسئولة في العديد من دول المنطقة العربية علي التاكيد علي اهميتها ، وعلي تمسكها بها ، ورغبتها في دعمها وتعزيزها ، انها يجب ان تعمل في الاتجاهين معا وليس في اتجاه واحد ، وفق قاعدة توازن المصالح المشتركة بين الحلفاء ، لا ان تكون متحيزة بالكامل وطول الوقت لحساب مصالح احد الطرفين علي حساب مصالح الطرف الآخر كما تفعل امريكا بما تنتهجه من سياسات او تاخذه لنفسها من قرارات.
اعني أنه يجب علي الإدارة الأمريكية ان تعرف ان قراراتها يمكن
ان تكون مقبولة عربيا بمقدار ما تحترم به مصالح الطرف العربي
او ان تكون مرفوضة بمقدار ما تنطوي عليه من انتهاك لتلك المصالح العربية ، او من استخفاف بها او تجاهل لها ..
فهذه قاعدة بديهية ومستقرة من القواعد الحاكمة للعلاقات بين الدول حتي بدون دخولها في علاقات شراكة استراتيجية من تلك التي نتحدث عنها طول الوقت وما تفرضه تلك الشراكات علي اطرافها من مستوي اعلي من الالتزامات المتبادلة ومن الادوار المكملة والداعمة والمساندة لبعضها ، وإلا لما كان هناك ما يضطرها إلي الدخول فيها والقبول بالاعباء والمخاطر التي تنطوي عليها.
ومن مظاهر هذا التجاوز الصارخ لأسس وقواعد علاقات الشراكة الاستراتيجية بين امريكا ودول المنطقة العربية ، ان أمن هذه المنطقة من العالم لا يمكن ان يكون هو أمن امريكا وإسرائيل وحدهما ، أمن تتحمل الاطراف العربية معظم اعبائه وتكاليفه ومخاطره وتبعاته ، ولا تجني في المقابل إلا المزيد من الخسائر والأضرار في شكل عداوات اقليمية متزايدة لها بسبب محاولة امريكا توريطها في ترتيبات ومشاريع أمنية يتم اقحامها فيها
بذرائع امنية واهية دون ان تكون لها مصلحة حقيقية فيها ..
وهي مشاريع موجهة بالأساس لصالح إسرائيل وامنها ولا علاقة
لها بالدفاع عن الأمن القومي العربي ..
ويكفي مثالا علي ذلك ما رايناه في الاسبوع الماضي عندما بالغ الرئيس الامريكي وبهذا الشكل الصارخ خلال زيارته الاخيرة لتل ابيب في اظهار انحيازه التام لأمن إسرائيل ، والذي ترجمه عمليا بتوقيعه علي إعلان القدس الذي وفر لإسرائيل من الضمانات الأمنية الأمريكية ومن المساعدات العسكرية والتقنية فائقة التطور فوق ما كانت تتوقعه إسرائيل او تحلم به ..
وكانت الكيمياء التي يتفاعل بها الرئيس الأمريكي بايدن مع القادة الإسرائيليين ورايناها وتابعناها لحظة بلحظة شيئا لم نري مثيلا له من قبل فقد اعطي لهم كل شيء ولم يبخل عليهم باي شيء.
ولم يعر الرئيس بايدن الأمن القومي العربي المهدد باخطار هائلة
لا اول لها ولا آخر من ارهاب وحروب اهلية وتدخلات خارجية واحتلال اراضي عربية سورية وعراقية وكذلك من فقر ومجاعات وازمات غذاء ومن خراب عمراني ودمار اقتصادي ناهيك عن الأوضاع المتردية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ..
اقول لم يمنحها الرئيس الأمريكي اعتبارا يذكر في قراراته ومخططاته التي جاء إلي المنطقة جاهزا بها ، وإنما ترك كل تلك المشكلات والأزمات للطرف العربي يواجهها وحده في ظروف غير مسبوقة من العنف والصراع والتوتر وعدم الاستقرار ، وكان كل ما يشغله ويستحوذ علي اهتمامه هو ما يجب ان يكون عليه رد الدول العربية والخليجية ومعها إسرائيل علي التهديد النووي الإيراني ولا شيء آخر ..
فعن اي شراكة امنية إستراتيجية أمريكية عربية يتحدثون
في واشنطن بعد هذا كله إذا كان هذا هو مستوي التزامهم
تجاه الطرف العربي في هذه الشراكة الإستراتيجية ؟
والعيب في هذا كله ليس هو عيب بايدن وإدارته وحدهما ..
وإنما هو عيب الطرف العربي كذلك بل وقد يكون هو من يتحمل الجانب الاكبر من اللوم عن كل ما يحدث. فهو لم يبذل الجهد الكافي لاقناع هذه الإدارة الأمريكية المنحازة بقوة لإسرائيل ..
بأن لدي العرب هم الآخرين اوراق قوة كثيرة ومؤثرة ، وان هذه الاوراق العربية يمكن توظيفها عند اللزوم اما كحوافز ومكافآت مجزية او كجزاءات وعقوبات رادعة ومؤلمة ، وهو ما برهنت ازمة الطاقة العالمية المتفاقمة علي مصداقيته وعلي قابليته للاستخدام بكل وضوح بدليل مجيئ بايدن إلي المنطقة العربية وإلي السعودية بالذات وهو الذي كان قد اخرجها من دائرة اهتمامه بحثا عن مخرج له من هذه الأزمة النفطية الخانقة ..
فالعرب يملكون ما لا تملكه إسرائيل من موارد طببعية هائلة يتحكمون بها في شرايين الاقتصاد العالمي ، وهم ايضا قادرون
علي ايذاء المصالح الأمريكية الحيوية في الشرق الأوسط بدرجة
لا تقدر عليها إسرائيل إذا ما وجدوا مصلحة لهم في ذلك وان هذا احتمال وارد ولا ينبغي استبعاده ، وان كل ما يحتاجونه لتفعيل اوراقهم هو ان نتحد مواقفهم وتتوحد إرادتهم ووقتها سوف يكون لهم وبكل تاكيد مكان مهم في كافة الحسابات والقرارات الأمريكية التي تعنيهم.
وهذه هي نقطة قوة العرب كما هي نقطة ضعفهم القاتلة ايضا فتعذر اتفاقهم علي خط عمل مشترك وتباعد مواقفهم عن بعضها هو ما يهدر قيمة اوراقهم ويفقدها اهميتها وفاعليتها .. فالقدرة موجودة لكن إرادة استخدامها معدومة .. لكن تغيير هذا الواقع
علي صعوبته ليس مستحيلا فيما إذا صحت العزيمة وتوفرت الإرادة.
نرجع مرة اخري ونقول ان الشراكة الإستراتيجية لكي تكون
شراكة حقيقية ومتوازنة ومستقرة ، فانها بمفاهيمها الصحيحة يجب ان تكون واضحة في اذهانهم هناك في واشنطن وفي اذهاننا هنا في الشرق الأوسط ، شراكة اساسها التشارك في الفرص والمخاطر وفي التوزيع العادل للمهام والتكاليف والأدوار ..
شراكة لا تحاول ان تضع طرفا في حالة من التبعية والانقياد المستمر للطرف الآخر كما يفعل الأمريكيون ، شراكة يتعامل احد طرفيها بروح الأنانية والانتهازية والاستحواذ علي كافة المغانم والمزايا ، ليبقي الطرف الآخر في موقف يدفع فيه كل شيء ولا يحصل في مقابله علي شيء وهذا للاسف هو حالنا معهم.