عصفور النار
بقلم: أسامة حراكي
كقطعة من الضوء يغادرون الدنيا، وكقطعة من ظلام تبقى هي خلفهم، فبعض الأحبة حين يغادرون، كأنهم يكسرون كل مصابيح الإنارة من على الطرقات المضاءة، فيُخيم خلفهم ظلام مرعب.
هذا الظلام المرعب لا نبصر به سوى تفاصيلهم وبقاياهم ومساحة فراغهم الموحش خلفهم، وكأنهم عند المغادرة يغلقون في الحياة شيئاً ويرحلون، فيغادرون قبل أن نقول لهم شكراً، قبل أن نقبل جباههم بحب وامتنان، قبل أن نترك على أبوابهم باقة ورد أبيض قبل أن نخبرهم كم نحبهم وكم دثرنا وجودهم بالأمان وكم كان الزمان بصحبتهم جميلاً…
كشعاع من ضوء مروا في عمرنا ومضوا، ككل الأرواح التي منحتنا النور وعلقت القمر على طريقنا المظلم ومضوا تاركين في فراغها الكثير، الكثير الذي لا يملأ والأثر الذي لا يُمسح ولا يتلاشى ولا يزول مهما اغتسلنا، فالماء يغسلنا من الخارج فقط، لهذا تبقى أحزاننا بعد الاستحمام كما هي…
غالباً يرحل الطيبون مبكراً، رحل ولم يترك خلفه المال ولا البنون، لكنه ترك من الإبداع ما يخلده في القلوب والدروب سنوات طويلة، لهذا لم يكن رحيله خبراً في صحيفة تستقبله القلوب بحزن وتكمل صباحها بروتينها اليومي، فقد بكته القلوب بكاء عزيز…
كان آخر الراحلين من مبدعي كتاب المسلسلات، كأنه أغلق الباب خلفه ومضى، وكأنه آثر اللحاق بركب الأحبة، أحبته الذين سبقوه في الرحيل، الذين بكاهم يوماً بحرقة، وتقبل العزاء فيهم بقلب مفجوع بفقدهم،وها هو اليوم ينفرط من العقد ذاته، عقد الصحبة والأحبة ليلحق بهم مخلفاً وراءه دنيا ربما لم يذق من فرحها الكثير، ورحل وبقي منه حولنا وبنا الكثير، فمثله حين يمر لا يمر مرور الكرام…
ولد في 27 يوليو 1941 حصل على ليسانس الآداب من قسم الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس عام 1962 عمل بعد تخرجه أخصائيًا اجتماعيًا في مؤسسة لرعاية الأحداث، ثم عمل مدرسًا في مدرسة بمحافظة أسيوط من 1963 إلى 1964 ثم انتقل للعمل بإدارة العلاقات العامة بديوان محافظة كفر الشيخ من 1964 إلى 1966 انتقل بعدها للعمل كأخصائي اجتماعي في رعاية الشباب بجامعة الأزهر من عام 1966 إلى عام 1982 عندما قدم استقالته ليتفرغ للكتابة والتأليف.
وكان قد بدأ بكتابة مقالا أسبوعيا في جريدة الأهرام ثم كاتب روائي ومسلسلات وأفلام ومسرحيات، إلى أن أصبح أهم المؤلفين وكتاب السيناريو في الدراما المصرية والعربية، وتعتبر أعماله التلفزيونية الأهم والأكثر متابعة في مصر والعالم العربي.
كان ينتظر انتهاء زميله المخرج إسماعيل عبد الحافظ من إنجاز أحد أعماله، كي يقدما معاً عمل درامي بعنوان “تنابلة السلطان” لكن وعكة صحية ألمت به جعلته يدخل العناية المركزة بمستشفى وادي النيل لعدة أيام، إلى أن فارق الحياة يوم الجمعة 28 مايو 2010 عن عمر 69 عاماً، إنه “عميد الدراما العربية” ابن مدينة طنطا، الرائع الخالد أسامة أنور عكاشة.
ومن أعماله الروائية: خارج الدنيا، مجموعة قصصية صدرت عام 1967 ـ أحلام في برج بابل، رواية صدرت عام 1973 مقاطع من أغنية قديمة، مجموعة قصصية صدرت عام 1985 ـ منخفض الهند الموسمي، رواية صدرت عام 2000 ـ وهج الصيف، رواية صدرت عام 2001 ـ سوناتا لتشرين، رواية صدرت عام 2010.
ومن أعماله الدرامية: وأدرك شهريار الصباح ـ أنا وإنت وبابا في المشمش ـ وقال البحر ـ عصفور النار ـ الراية البيضا ـ ريش على مفيش ـ لما التعلب فات ـ رحلة أبو العلا البشري ـ أبو العلا البشري 90 ـ وما زال النيل يجري ـ ضمير أبلة حكمت ـ الشهد والدموع.. جزئين ـ ليالي الحلمية.. خمسة أجزاء ـ أرابيسك ـ زيزينيا.. جزئين ـ امرأة من زمن الحب ـ أميرة في عابدين ـ القاهرة 2000 ـ كناريا وشركاه ـ عفاريت السيالة ـ أحلام في البوابة ـ المصراوية.. جزئين.
كان آخر أعماله السينمائية: كتيبة إعدام ـ تحت الصفر ـ الهجامة ـ دماء على الإسفلت ـ الطعم والسنارة ـ الإسكندراني.
ومن أعماله المسرحية: القانون وسيادته ـ البحر بيضحك ليه ـ الناس اللي في الثالث.