عصفور الشرق
بقلم: أسامة حراكي….
في مثل هذا اليوم 26 يوليو 1987 رحل عصفور الشرق الأديب الكبير توفيق الحكيم، ذلك الكاتب الذي أمتعنا كثيراً بكتاباته والذي كنت اتمنى أن يقوم الكاتب قبل أن يرحل بكتابة تجربته مع ابنه اسماعيل حيث كانت علاقته بإبنه علاقة حزن، لقد كان كاتبنا الكبير لطيفاً مع أصدقائه ومعجبيه وكان لديه الوقت لهم لكن لم يكن لديه هذا الوقت لأقرب الناس له، فقد حاول كاتبنا كثيراً الإنضمام إلى جمعية الحمير التي أسسها الفنان الراحل زكي طليمات، ورُفض طلبه بسبب بخله والحمار ليس بخيلاً، لقد كان اهتمامه بالحصول على العضوية أكبرمن اهتمامه بإبنه الوحيد الذي كان أديبنا يعنفه جداً وهو صغير يلعب بالشوك والملاعق ليستمع لرنينها الموسيقي، وعندما كبر الابن واختار دراسة الموسيقى رفض الأب هذا الإختيار وقاطعه، فلجأ الابن لأمه ولم يكن عندها ما تملكه سوى عقد ماسي هدية والده يوم زواجهما وضعته تحت تصرفه وصنعت عقداً شبيهاً له ترتديه، ولم يكتشف الزوج ذلك إلا بعد وفاتها، ومرة أخرى احتاج الابن للمال ورفض الأب، فحزن وقرر أن يترك الموسيقى ولم يكن لدى الأم ما تساعده به فحزنت واصيبت بالشلل.
لقد رزق الله اديبنا ابن وهو في سن كبير ومع ذلك لم يعرف قيمة الهدية التي اهداها الله إليه إلا بعد أن مات ابنه مريضاً فأحس بوقع العمر والمرض والشيخوخة والفراق، وبكى كما لم يبكي من قبل وكتب له رسالة لم يقرأها ولم تعد تهمه يقول فيها: والدك في حالة سيئة جداً لفراقك وكل يوم وكل ساعة ينظر إلى صورتك ويرجوك أن تصدق أنه كان يحبك من اعماق قلبه ولكن طبعه كده لايُظهرعواطفه.
ولكن مع مرور الوقت تأكدت أن التجربة الإنسانية حين تعبر عنها نفس تألمت وعانت، تترك أثراً اعمق واصدق من الكتب والنصائح وربما تنجح في إزالة الصدأ عن مشاعر تنتظر أن تمر بتجربة لتصفو.