صفحات من التراث
جلجامش في ارض الخلود
بقلم : يوسف المشابه
دلمون توصف بأنها
“الأرض الطاهرة المقدسة” أرض الخلود التي لا يوجد فيها مرض أو موت أو حزن
” كما جاء في “ملحمة جلجامش” وهي الجزيرة التي لجأ إليها الملك السومري جلجامش بحثًا عن السلام والسكينة والاستقرار السرمدي
فالزرادشتيون يعتبرون أسطورة أو ملحمة جلجامش جزءًا من التراث الزرادشتي
وقد ارتبطت بعقيدتهم عندما كتبت قبل أكثر من 3500 سنة.
وتعتبر أسطورة جلجامش أقدم الأعمال الأدبية في تاريخ الإنسانية وتتناول صراعات الإنسان مع نفسه ومع المغريات والقوى القاهرة
صراع الذات الحيوانية مع الذات الروحية والصراع الأزلي بين الحق والباطل والخير والشر وقد سبقت الإلياذة والأوديسة
وسبقت بقرون طويلة نزول الأديان السماوية ونصوصها المقدسة التي تضمنتها التوراة والانجيل والقرآن
وتروي الأسطورة مغامرات جلجامش ملك “أوروك”
أحد ممالك ما بين النهرين، وكان ملكًا قويا، ولد من أم إله وأب بشر، ولذلك وصفته الأسطورة بأن ثلثيه إله والثلث الباقي بشر
ولهذا فإنه لن يكون من الخالدين مثل الآلهة، كان جلجامش ملكًا قويا مستبدًا متسلطًا
وقد أجبر شعبه وسخّرهم لبناء سور ضخم حول أوروك العظيمة لكنه ظل أسير الخوف والجزع من الموت
فعاش في صراع بين الفناء والخلود وصار همه الأكبر أن يكون من الخالدين.
فبدأ جلجامش رحلة البحث عن الخلود والحياة الأبدية السرمدية وعرف عن إمكان الوصول إليها في جزيرة دلمون حيث توجد
“زهرة الخلود” وحيث يعيش إنسان واحد يتمتع بالخلود، إنه “أتنوبشتم” النجار الفقير الذي كان قد بنى سفينة فأنقذته هو وزوجته من
“الطوفان العظيم”
الذي قذفت أمواجه به إلى “جزيرة الخلود” وأصبح يتمتع بحياة أبدية بحماية الآلهة التي أعلنت أن أتنوبشتم “
لم يكن قبل الآن سوى بشر، ولكن منذ الآن سيكون مثلنا نحن الآلهة، وسيعيش بعيدًا عند فم الأنهار في مدينة دلمون”
ركب جلجامش البحر في رحلة شاقة محفوفة بالمخاطر والصعاب ووصل إلى دلمون والتقى أوتنوبشتم الذي نصحه بالبحث عن
“زهرة الخلود” في قاع البحر المحيط بجزيرة دلمون المقدسة.
تمكن جلجامش من الحصول على زهرة الخلود من قاع البحر، وقرر أن يأخذها معه إلى أوروك ليجربها
أولًا
على الطاعنين في السن هناك قبل أن يتناولها، وفي طريق عودته
وعندما كان يغتسل في بحر
دلمون ارض الخلود تمكنت إحدى الأفاعي من الوصول إلى الزهرة والتهامها، واضطر جلجامش إلى مواصلة رحلة العودة إلى أوروك بعد أن فقد الزهرة
واستسلم لإنسانيته وأدرك أن الخلود معضلة أزلية وأن الحياة الأبدية التي يسعى في أثرها لن ينالها أبدا
وأن عليه أن يستمتع بما تبقى له من الحياة بدلًا من أن يقضيه في البحث عن الخلود.
إن الملحمة تنتهي عندما اقترب جلجامش من مدينته أوروك ورأى سورها العظيم، الذي كان قد بناه من قبل
يقف شامخا حولها يحميها ويحمي أهلها من كل المخاطر، فتوصل إلى قناعة بأن الأعمال والمنجزات المفيدة
هي التي تعطي الخلود للإنسان وأن الطريق الوحيد للخلود هو في العمل الصالح والعدل.
يوسف النشابه