إلهاء الشعوبوالمجتمعات و ثقافة السيطرة على الرأي العام والتحكم في توجهاته, كما تحدثنا في مقالتي السابقة عن تسيير الشعوب و إحدى السياسات المعتمدة بشكل كبير لدى الأفراد أو الحكومات بصفة عامة وهي سياسة (الأمل) أن يعيش المواطن إن صح التعبير عمره ينتظر ويتمنى حدوث الأفضل وكذا ما وعد به دون أن يساهم ولو بشكل طفيف في إحداث التغيير الذي يشمله ومستقبله وحياته بصفة عامة، وبأن يعيش أيضا على ما قدم له فقط، وعدا هذا هو يأمل بالقادم، وهنا آن الأوان كي نسلط الضوء على سياسة أخرى، و سنسميها” سياسة الإلهاء ” فحتى إذا كانت الكلمة واسعة النطاق، بحيث أنها تعتمد في كل الاستراتيجيات المستعملة في التحكم في الشعوب، إلا أننا سنخصص في هذا المقال لشرح كنه كلمة الإلهاء من ناحية كونها توابل لطبق تلك الاستراتيجيات وكيانها الأقوى والمستعمل في التحكم في الأفراد أو الشعوب.
بداية نتعرض لمفهوم الإلهاء لأن ضبط المصطلحات يسمح لنا مبدئيا بالاتفاق على ماهيتها وبالتالي إدراك السياق الذي جاءت فيه الكلمة واستعمالها والتعاطي فيها وفق ما هو مطلوب، في الإلهاء هو عملية تحويل وإبعاد الرأي العام والفكر عن المشاكل والأمور المهمة رغم الحاجة إليها إلى مشاكل أقل أهمية وأكثر صدى باستعمال الإعلام المضلل وطرق أخرى مختلفة وماكرة وغير قابلة للاكتشاف، وكذلك نسج فصول مسرحية يكون البطل فيها ” الحاكم ” الذي تغلب على المشكلة التي قام هو نفسه بصناعتها ومحاولة إخفاء ضعفه واسترضاء الشعب بوعود واهية .
_تستخدم الحكومات طريقة خلق المشاكل بداية تشتت النظر عن المشكلة الأساسية والأهم، ومن ثم تتبعها بطريقة أخرى وهي مكملة للأولى . للوصول إلى ما خطط له، وهي ما تسمى باقتراح الحلول أو إيجاد الحل.
أما عن استخداماته من حيث كونها سياسة فعالة في تسيير الشعوب فتكمن في مواقف عديدة بحيث تطفو مصالح الشعب على السطح بينما تخفي في أعماقها مصالح وأهداف ذات أبعاد أخطر من ذلك، لا يدركها سوى من كانت له القدرة على أن ينظر خلف المظاهر ويستنتج بغوصه في أعماق السياسة وتفكير دواهي التخطيط والتنفيذ.
_لكي تختفي تلك المصالح والأهداف التي لا يراد لها أن تظهر، لا بد من تغطيتها برداء أشد سوادا وأوسع من ذلك الذي ترتديه تلك المواقف، وهنا تتجلى طريقة خلق المشاكل، فلا يوجد أفضل من تغطية مشكلة بكارثة أكبر منها، بحيث تهون الكارثة الأولى وتصبح في طي النسيان، ولعل أفضل مثال على هذا هو أن أخبار الحوادث المرورية التي تقتل شابا أو عائلة أشد وقعا على النفس البشرية من الحوادث أو الكوارث الطبيعية التي تطيح ببعض افراد المجتمع ، او اخبار فنيي مثيرة وخلافات اجتماعي يساعد الإعلام على نشرها ، وهذا لأن البشر مبرمجون على التعاطف مع الحالات والأفراد أفضل منها مع الجماعات ذلك أن الإنسان في حالة الوفاة الجماعية يصبح رقما (هذا من الأمور التي يؤسف لها بطبيعة الحال)،
وكما ذكره المفكر الأميركي ” نعوم تشومكس ” في كتابة الاستراتيجيات العشر للتحكم في الشعوب
في تحليله “استراتيجية الإلهاء”، إنَّ العنصر المهيمن للرقابة الاجتماعية هو “استراتيجيّة الإلهاء”، لتحويل انتباه الشعب عن القضايا المهمة والتغييرات الحاسمة، من خلال تقنية الطوفان أو غمر التشتيت المستمر والمعلومات غير المهمة. ويستخلص تشومسكي أنَّها عمل علي “انشغال الجمهور “، ولم يعطي له وقت للتفكير، ورجعة إلى المزرعة مثلة مثل الحيوانات الأخرى”.
ربما تلخّص هذه الأفكار مضمون السياسات المعتمدة من قبل الولايات المتحدة والغرب تجاه دول العالم الثالث والدول النامية، التي أُغرقت منذ سنوات بأزمات وحروب ومخططات تجويع وحصار لإطاحة كلّ الأفكار والجهود الساعية إلى التحرّر والاستقلال والتنمية ، ، هذا ما يرضي الشعب أو الفرد خصوصا عندما لا يكون واعيا لحجمها وتأثيرها هي أو المشكلة الأكبر التي تغطيها، ومن الجدير ذكره أن هذه السياسة تنتهج على كافة الأصعدة المتعلقة بالحكم، بداية من الاقتصاد وصولا للثقافة والتعليم، والصحة ، وأحيانا توظف في مجال واحد فقط حسب حاجة الحاكم.
يجب أن يكون الإنسان واعيا لتلك السياسات لكي لا يقع في فخ التحكم والاستغباء الذي يمارس عليه، ولا يجب عليه أن يكون داهية ليدرك قوانين السيطرة والتحكم، كل ما يحتاجه الأمر هو قليل من الوعي وقليل من القراءة والثقافة. ولنا استفاضة في مقالات قادمة بإذن الله