رَمَضَانُ شَهْرُالاعتصام بحبل الله
مقال للاستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على
إن من أعظم أصول الإسلام الاعتصام بحبل الله، والنهي عن الفرقة والاختلاف، لتحقيق العبادة الدينية والدنيوية، إذ إنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم إلا بالألفة والاجتماع، الذي حقيقته: (التعاون على البر والتقوى، والتكافل والتناصر، والتعاطف والتناصح والتواصي بالحق والصبر عليه)، وفي ذلك السعادة والنجاة، وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وإقامة العدل، وحفظ الحقوق، ونشر الأمن والسلام.ويتجلى كل ذلك في شهر الصيام عملاً بقول الله تعالى : ” وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” آل عمران -101, فإنه يعني: ومن يتعلق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته ” فقد هدى “، أي فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضى الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته، والاعتصام بحبل الله أن تهتدي بهديه، أن تتحرك وفق منهجه، أن تستنير بنوره، أن تحقق ما أمرك به، الاعتصام بحبل الله اعتصام معرفي، أما الاعتصام بالله فاعتصام ، بقدرته، و بتوفيقه وبقوته، ونصره، وتأييده اعتصام بحكمته، اعتصام بحفظه ومن يلتجئ إلى الله في كل أحواله ،ويتوكل عليه حق التوكل، ويتمسك بدينه، فقد هدى إلى الطريق الذي لا عوج فيه ولا انحراف. ، وفي هذا إشارة إلى أن التمسك بدين الله وبكتابه كفيل بأن يبعد المسلمين الذين لم يشاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما يبيته لهم أعداؤهم من مكر وخداع. وفي قوله تعالى : “واعتصموا بحبل الله جميعا ” -آل عمران: 103.
وحبل الله هو: القرآن ورمضان هو شهر القرآن وقيل: الرسول. وقيل: الإسلام. والكل حق. وقوله :(جَمِيعاً)، أمر من الله بالاجتماع على الدين وعلى هذا القرآن ؛ فإن بالاجتماع على الحق تحصل وتدرأ المفاسد وينقمع العدو.
إن في هذه الآية الكريمة أمرًا مهمًا عظيمًا ألا وهو الاعتصام بحبل الله المتين وإنما يكون ذلك بطاعة الله ورسوله بالتمسك بالدين الحنيف والثبات عليه حتى آخر العمر، وذلك يتضمن بالتأكيد ترك البدع الفاسدة والأفكار الكاسدة التي يلقيها شياطين الأنس ليضلوا الناس عن المحجة البيضاء التي كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعدهم من الذين اتبعوهم بإحسان، وكانوا نعم القدوة والمثل الذي يحتذى به، إذ توحدوا وتآلفوا ووجهوا أنظارهم نحو كلمة الحق ووجهوا القصد نحو نصرة هذا الدين العظيم ملتزمين بما فيه النجاح والفلاح كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فتحقق لهم المجد العظيم والخير العميم ونالوا عزًا لا يطاولهم فيه أحد، بدءًا من البعثة المحمدية المباركة ومرورًا بعهد الخلفاء الراشدين البررة ومن جاء بعدهم ممن نور الله قلوبهم بالإيمان فانقشعت بهم ظلمات حالكة عصفت بالبلاد والديار، كيف لا وقد توحدوا على درب التقوى وجمعهم الإخلاص لله رب العالمين والتضحية والبذل.
فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية ، والعدة في مبا عدة الغواية ، والوسيلة إلى الرشاد وطريق السداد . والقرآن يشفع لنا يوم القيامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي ربي إني منعته الطعام والشهوة ، فشفعني فيه ، ويقول القرآن : رب منعته النوم بالليل ، فشفعني فيه ، قال : فيشفعان ” رواه أحمد أ . د / مفيدة إبراهيم علي