خسائر في السينما العالمية بسبب الحرب علي أوكرانيا.
متابعة /شوزان توفيق
لم تتعافي صناعة السينما العالمية من آثار جائحة كورونا الثقيلة، حتى جاءت الحرب في أوكرانيا لتسدد ضربة أثقل للصناعة في عدد كبير من بلاد العالم، التي تأثرت بالحرب ومقاطعة روسيا وارتفاع الأسعار وصعوبات الانتقال للتصوير أو لتوزيع الأفلام.
أول الخاسرين بالقطع هو روسيا، التي لم تخسر فقط عشرات المشاريع قيد التنفيذ سواء محلية أو إنتاج مشترك مع بلاد أخرى، أبرزها أوكرانيا، ولكن خسرت أيضاً ذراعها التوزيعي للخارج بشكل كامل تقريبا، كما خسر سوق التوزيع ودور العرض المحلية مئات الملايين من الدولارات الناتجة عن شباك التذاكر، التي كانت تذهب للأفلام الأميركية والأوروبية التي توزع في روسيا.
ووفقاً لموقع “موجو بوكس أوفيس” وصل حجم ايرادات الأفلام الأميركية في السوق الروسي خلال 2021 أكثر من 600 مليون دولار، بما يعادل 2.8% من إجمالي إيرادات الأفلام الأميركية.
سلاح ذو حدين
مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا أعلنت شركات الإنتاج الهوليوودية المقاطعة وتوقفت عن تصدير أفلامها لروسيا، كما سحبت الأفلام التي كانت تعرض بالفعل، ومنها فيلم “مجهول – Uncharted” الذي حقق داخل السوق الروسي نحو 13 مليون دولار، قبل سحبه بعد أقل من أسبوعين على بداية عرضه.
أول المقاطعين كانت شركة “وارنر براذرز” التي أوقفت تصدير فيلمها الكبير The Batman إلى روسيا، والذي حقق أكثر من 463 مليون دولار خلال 9 أيام عرض، كان يمكن أن يزيدوا من 20 إلى 25 مليوناً لو عرض الفيلم في روسيا.
من الشركات الأخرى التي أعلنت المقاطعة استديوهات “سوني بيكتشرز إنترتينمنت” التي سحبت فيلمها الكبير Morbius مع عدد من الأفلام الأخرى، واستديوهات “ديزني” التي سحبت فيلم التحريك Turning Red و”بارامونت” التي سحبت Sonic 2 و”يونيفرسال” التي سحبت The Bad Guys وكلها أفلام تراهن عليها هذه الشركات انتاجياً.
مقاطعة هوليوود لروسيا سلاح ذو حدين، مثل مقاطعة شراء البترول والغاز الروسي، فالكل خاسر في هذه المعادلة وأولهم هوليوود.
ولكن حتى بدون المقاطعة فالخسائر كانت قادمة لا محالة للسوق الروسي، خاصة مع انهيار سعر الروبل الروسي بأكثر من 20% من قيمته، وحظر التحويلات البنكية من روسيا، وهو ما يعني استحالة أو صعوبة حصول الشركات والأفراد خارج روسيا على مستحقاتهم، بالإضافة إلى هبوط قيمة هذه المستحقات مع انخفاض قيمة العملة الروسية، ومعنى ذلك أن الخسائر طالت حتى الذين لم يقاطعوا.
مشاريع روسية أوكرانية
الخسارة الأكبر لصناعة السينما في روسيا وخارجها تتمثل في توقف عدد كبير من المشاريع المشتركة، ومنها مثلا، مسلسل ضخم بعنوان “الصمت- Silence” كانت تنتجه محطة HBO الأميركية في إنتاج مشترك روسي أوكراني كرواتي ألماني عن الجريمة في أوروبا، وبالإضافة لذلك فقد كانت هناك عشرات المشاريع المشتركة مع أوكرانيا تعرضت كلها لضربة قاسمة بين ليلة وضحاها.
وربما لا يعلم كثيرون أن العلاقات بين البلدين في صناعة الترفيه كانت قوية للغاية حتى عشية ليلة الغزو.
وهناك عدد من صناع الأفلام الأوكرانيين كانوا يعملون في صناعة السينما الروسية، منهم على سبيل المثال المنتج ألكسندر رودنيانسكي الذي حصلت أعماله على عشرات الجوائز العالمية الكبرى، كما رشح للأوسكار مرتين عن فيلمي Leviathan وLoveless للمخرج الروسي أندريه زفيجانتسيف.
وكذلك المنتج فلاد رياشين، مؤسس واحدة من كبرى شركات الانتاج في روسيا وهي “ستار ميديا”، ومقرها الرئيسي في موسكو.
وهناك غيرهم عشرات من الفنانين الأوكرانيين الذين لديهم علاقات طيبة ومشاريع مشتركة مع روسيا، ومن الطريف أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هو نفسه منتج وكوميديان معروف، وكان محبوبا كممثل في روسيا ربما أكثر من أوكرانيا.
خسائر بعيدة وقصيرة الأمد
الخسائر الأكبر في هذه الحرب أصابت أوكرانيا بالتأكيد. وفيما يتعلق بالسينما، فمن المعروف أن صناعة السينما والتلفزيون في أوكرانيا تشهد ازدهارا كبيرا منذ سنوات.
وربما تكسب هذه الصناعة من الحرب على المدى البعيد، إذا استطاعت أوكرانيا رد الغزو والخروج سليمة، فسوف تفتح لها كل الأسواق وجهات الإنتاج العالمية، ولكنها على المدى القصير تخسر بنيتها التحتية ومشاريعها الحالية.
وفي الأول من مارس استهدفت الطائرات الروسية مبنى محطة تلفزيون أوكرانية، مما أدى إلى سقوط وإصابة عدد من الضحايا بالإضافة إلى تدمير المبنى وتوقف البث.
الخسائر لا تتوقف على الماديات، فهناك خسائر في الأرواح أيضاً، وبجانب عدد من صناع الأفلام والتقارير الأوكرانيين الذين قتلوا خلال المعارك ، كذلك قتل صانع الأفلام والمصور الأميركي المعروف برينت رينود، الذي طالما صنع تقارير ووثائقيات مهمة عن الحروب.
خسائر ثقافية
الخسائر لا تتوقف على البلدين، ولكنها بالطبع تمتد لخارج الحدود، فقد تأثرت أوروبا بالكامل من المقاطعة وتدفق اللاجئين وارتفاع الأسعار، وفي صناعة السينما تحديدا توقفت المشاريع وأوجه التعاون المشتركة، وربما يكون أكثر المتضررين بلاد يوغسلافيا السابقة الواقعة في المنتصف.
ورغم أن صربيا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي لم يدن الغزو الروسي، فقد يكون لهذا الموقف عواقب سيئة فيما بعد.
على المستوى الثقافي قد تكون الخسائر أفدح، فانعدام الثقة والتشكيك في النوايا والمقاطعة لكل ما يأتي من روسيا ومؤيدي بوتين، وفي المقابل الميل للترحيب بكل ما يصدر من الطرف الآخر، من شأنه أن يحول الثقافة والفن إلى أداة في خدمة سياسات بعينها.
وأكثر مجالات قد تتبدى فيها هذه المشكلة بوضوح هي المهرجانات الدولية وصناديق الدعم والإنتاج التي تنظمها المهرجانات والهيئات الرسمية والأهلية.
عقب الحرب مباشرة أعلنت معظم المهرجانات الدولية شجبها للغزو الروسي وتضامنها مع الشعب الأوكراني وأعلنت المقاطعة، ولكن اختلفت فيما بينها على حدود هذه المقاطعة، فبينما أعلنت بعضها، مثل مهرجان “جلاسجو” في أيرلندا وبعض المهرجانات الأميركية مقاطعتها الكاملة للأفلام الروسية، حتى لو كان صناعها يدينون الحرب، أعلنت مهرجانات أخرى مثل “كان” و”فنيسيا” أنها لن تستقبل فقط الوفود الرسمية الحكومية من روسيا، لكنها ستقبل الأفلام الروسية التي ترى أنها جيدة ومناسبة لها.
قطاع آخر من المهرجانات، مثل “سان سباستيان” أعلن أنه سيقبل فقط الأفلام الروسية التي يصنعها منشقون أو معارضون لموسكو. وبالطبع ما لم تعلنه كل هذه المهرجانات أنهاترحب بقوة بالأفلام الأوكرانية والتي تدين الغزو الروسي بشكل عام.
هذا التقسيم “السياسي” قد يؤدي عملياً إلى ظلم الكثير من الأعمال الجيدة، أو محاباة بعض الأعمال الضعيفة فنيا، والأمر نفسه ينطبق على صناديق الدعم التي ستفتح ذراعيها من الآن فصاعد للأفلام الأوكرانية والتي تدين الحرب، والموقف السياسي قد يؤدي إلى اختيارات “غير فنية”، وهذه بالطبع خسائر “ثقافية” ثقيلة لصناعة السينما الفنية في العالم!