حين يكون الراوي المشارك ضرورة سردية
قراءة في رواية “اتركني أعيش” للأديب المهندس مجدي عبد الله
بقلم غادة سيد
رواية من تسعة فصول في 168 صفحة.
تحمل عنوان اتخذ من الأسلوب الإنشائي الطلبي سبيلًا ليحمل في طياته معنى الترجي المتأرجح بين اليأس والأمل، أو التوجيه المشحون بأوجاع وأنين لمخاطب مجهول عليه أن يعي أننا لن نحيا إلا بمفهومنا نحن للحياة، لا بما يقرره لنا الغير من منظوره هو.
يقوي تلك الرؤية للعنوان، غلاف يجسد الوحدة بشجونها ووحشتها حين يسير الفرد مثقلا بأفكاره وأوهامه نحو مستقبل غير محدد المعالم، تحوطه جبال مظلمة من الهموم والمتاعب، لكنه رغم ذلك هو سائر في طريقه يحدوه أمل اللحاق بما تبقى من أحلام المستقبل الغامضة، يتشبث بشمس المغيب قبل أن تقتطف أيامه وأحلامه لتسقط بها صحاري الأفق القاحلة، وتحلق في سمائه الملبدة بغيوم التحدي جملة “اتركني أعيش” في انتظار الهطول لتنشق الأرض عن بذور الأمل وتبعث فيها الحياة من جديد.
ننتقل إلى عتبة الإهداء، حيث أهدى روايته إلى روح زوجته التي جعلها ملاكا في صفاتها النورانية لكنها ليست أي ملاك بل ملاكه الذي يحرس ويدعم ويوحي، فمنها يستمد القوة للعيش، والفكرة للإبداع، ثم يُجْمِلُها في الإهداء مرة أخرى مع الأب والأم لتكتمل وتتضح مكانتها في قلبه.
لم يتركنا طويلا في حيرة التخمينات، ولم يثقل عقولنا بمحاولة استجلاء لوغاريتمات العنوان ففي الرواية المكونة من تسعة فصول بدأها بالفصل الأول الذي يحمل عنوان “المفاجأة” ليزيح الستار ومن وقت مبكر جدا عن كل ما ألغز علينا من أفكار وأشكل علينا من احتمالات، فأجاب سريعا عن كل التساؤلات التي عنت لنا. لنكتشف في النهاية أنها حكاية انسانية لرحلة علاج مريض بذلك اللص الخبيث الذي يسرق أعمارنا خلية خلية ويفتت صحتنا حتى أثناء العلاج وهذا أشد أنواع الخبث. بدأ بمرحلة انتظار التشخيص وحتى تمام الشفاء، حينها نتأكد أنه لم يكن ذلك الشخص الغارق في وحدته وآلامه، بل أحاطه الدعم من الجميع، أسرته، معالجيه، رفقائه المحاربون للمرض، فضلا عن محبيه من المشاهدين لبرنامجه الشهير، إنما هي وحدة المرض الدخيل بين الأحبة والأصدقاء، يحاول التسلل بين الفينة والأخرى للنفوس، لكن تطرده العصبة المتآلفة بدعمها المتواصل.
لا تحسبن أني كشفت ستر النهاية التي اختتمت فعلا بالشفاء، وذلك لسببين: أولا أن الفصل الأخير يحمل عنوان “عودة الحياة” وهي إشارة كاشفة بجلاء عن أن المريض سيهزم المرض ويتماثل للشفاء، ثانيا لأني رغم ذلك أعدها نهاية مفتوحة، فلا نعلم هل سيكون الشفاء نهائيا؟ أم مؤقتا ويرتد إليه المرض بصورة أكثر خبثًا وشراسة، وقد أشار إلى ذلك مع بعض الحالات التي قابلها في رحلة علاجه.
بالنسبة للفصل الثاني الذي يحمل عنوان ” رحلة العلاج” لا أرى هذا العنوان مناسبا فهو يتحدث فقط عن مرحلة التحضير لبدء الرحلة ولا يشمل الرحلة كلها التي تبدأ من الفصل الثالث بعنوان واضح هو ” الجرعة الأولى” فكان يمكن أن يأخذ أحد العناوين التالية: ” نقطة البداية او انطلاق الرحلة أو بداية الطريق إلى غير ذلك من معان”.
الرواية تحمل رسائل عدة لا تتتسم بفجاجة المباشرة، لكنك تستشعر حين قراءتها دفء القرب وحلاوة المساندة والعطاء والإيثار والصداقة والسيرة الطيبة.وتشير إلى أن بالأمل والثقة في الله ودعم الآخرين نتغلب على أصعب المحن.
استخدام الكاتب للراوي المشارك مع الرؤية السرية المصاحبة هو أهم ما ميز هذه الرواية، فالراوي المشارك جعل المتلقي يعيش بصدق لحظات اليأس والانكسار، ويتجرع مرارة الألم ويتمسك معه ببريق الأمل مهما كان خافتا، يشعر بقسوة الانتظار و هجمات التوقعات المحبطة، لكن هذا الأمر تفلت منه في لحظات قليلة، وإن شكلت خطأ سرديا لكنها أوضحت كم كان الراوي المشارك اختيارا ذكيا مبدعا، ففي ص 148 تحول فجأة إلى الراوي العليم وكأنه ينذر بموت علاء ثم عاد في صفحة 150 للراوي المشارك، وكرر استخدام الراوي العليم في ص 154 و159 ثم عاد في ص 164 إلى الراوي المشار وحتى نهاية الرواية.
الشخصيات الأساسية المحيطة بالبطل كانت أهميتهم من أهمية الدور الذي يقومون به تجاهه مهما كبر هذا الدور أو صغر، وهم أسرته ومعالجيه ومحبيه.
الشخصيات لم تتبدل أو تتحول إلا شخصية الصديق محمود رشدي، فكان تغيره بمثابة عودة إلى سيرته الأولى قبل تدخل الزوجة بينه وبين صديقه وكان للمرض الدور الإيجابي النادر في هذا الموقف ليفارق الحياة تاركا أبناءه ف رعاية صديقه وأسرته، لذلك كان الصراع مع هذا المرض اللعين لا مع الأشخاص، فهو الخصم وهو البطل الضد وباقي الشخصيات داعمة للبطل.
تحتاج الرواية إلى جهد إضافي من التدقيق والتحرير اللغوي، نحويا وإملائيا وعلى مستوى التراكيب، كذلك للتخلص من بعض المفردات والجمل العامية، ومراجعة أسماء الشخصيات حيث أن الصديق في موضعين كان اسمه محمود درويش ثم تحول في باقي الرواية إلى محمود رشدي.
دلالة الأسماء: كانت مناسبة جدا ومثال على ذلك: علاء ذلك الشامخ بصبره وتغلبه على المرض وعصام الابن حيث يستطيع الأب أن يعتصم به ويعتمد عليه وهو مطمئن، كذلك صباح الزوجة التي تشع ألقا وبهجة وأمل في نفوس الجميع..
الأسلوب:
اتخذ شكل اليوميات والسير الذاتية وكان بسيطا ومسترسلا ولم يخل من التشويق والترقب مما جعل الرواية تبدو كدليل استرشادي لكل مصابي هذا المرض وما يحتاجة من كافة المعلومات الخاصة ببداية الأعراض، للفحوصات المطلوبة ونوع العلاج والأعراض الجانبية المصاحبة، ونوعيات الطعام الموصى بتناولها، مع إشارات لقصص مختلفة لمرضى يمثلون لبعضهم البعض الأسرة والسند والمحفز. تقارب كبير وتلاصق يمحى كل معالم الاغتراب والاستيحاش.