حوار صحفي مع «نبيل أبوالياسين» في قيادة الحق الدولية والدفاع عن حقوق الإنسان
أدار الحوار: نسمة تشطة
لا يكفي أن تدافع عن الأشياء التي تبدوا صحيحة لان هذا يمكن لأي شخص أن يفعلهُ ولكن مهمتنا هي تغيير سياسات، وثقافات الحكومات تجاة حقوق الإنسان، وتغيير سلوكها، ووقف الإنتهاكات، ولنا أهداف وطنية عربية، أبرزها تعزيز الإيجابيات، ومعالجة السلبيات بشكل راقي يترقي بقيمة الدول العربية بين الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان عالمياً، وأخرىّ تعزيز وتسليط الضوء على القضايا العربية الشائكة ولاسيما القضية الفلسطينية، فضلاً عن التصدي”لـ” خطاب الكراهية، والإنتهاكات المتكرره ضد العرب، والمسلمين وضد أي مجموعات، أو أشخاص في كل مكان.
وحارب “أبوالياسين”على مدار الـ 10سنوات منذ قيادتة “منظمة الحق الدولية لحقوق الإنسان، بعض رؤساء الدول، والقيادات السياسية، وبعض المؤسسات الدولية التي كانت تتدخل في شؤون الدول العربية، والإسلامية، وغيرهم تحت ذريعة إنتهاكات حقوق الإنسان، كما حارب إستخدام الذخائر العنقودية في الحروب والصراعات والنزاعات السياسية في بعض الدول، وإستخدام الأطفال جنود في هذه الصراعات، من بين العديد من القضايا، وعلى طول الطريق، وإكتسب “أبوالياسين” العديد من الأصدقاء، والمؤيدين له، ولكن أيضاً هوجم من بعض الأعداء كارهي الأوطان وكارهي النجاح في لحظات مختلفة، بحملات تشويه باءت بالفشل.
تقرير”نسمة تشطة” أن أحد الأشياء التي طالما إعتقدت أنها تميزك كمدافع عن حقوق الإنسان هو أنك، على عكس بعض الأكاديميين أو المفكرين التجريديين وغيرهم، يبدو أنك تفهم القوة، وكيف تعمل بالفعل في عالم حقوق الإنسان الحقيقي، ولقد إفترضت دائماً أن هذا جاء من خلفيتك كريفي إجتماعي من الصعيد، والمجالس العرفية التي إعتدت عليها من الصغر، ولكن ربما لا، وإلى ماذا تنسب ذلك؟
أبوالياسين: هذا صحيح، ولذلك لا أعتقد أن هذا كل شيئ ولكن كان عندي طموح وعزيمة وإصرار، ساعدني بالتأكيد على معرفة كيفية الوقوف على قدمي والجدل، والنقد البناء، والتصدي لكافة الإنتهاكات بنضج، وبالعلم والمعرفة والمطالعه، والمتابعة الجيدة وكيفية تنظيم القضايا من الحقائق، ولكني كنت أحاول دائماً إدارة “منظمة الحق” مع التركيز الشديد على التأثير، لا يكفي أن تدافع عن الأشياء الصحيحة فقط، لأنهُ يمكن لأي شخص أن يفعل ذلك، ولكن كانت مهمتنا هي تغيير سياسات الحكومات، وتغيير سلوكها ، ووقف الإنتهاكات، وهذا يتطلب ممارسة سياسة القوة، ومعرفة ما الذي تهتم به حكومة معينة، وكيفية تسليط الضوء على حرمانهم من ذلك حتى يتغيروا.
وكانت لها خطوات عديدة فالخطوة الأولى؛ هي دائماً إجراء تحقيق من خلال الجهات المعنية، ونحن جميعاً بصدد نشر الحقائق، والحقائق قوية إذا أمكنك، وضعها في المجال العام حتى يمارس الجمهور حكمهم الأخلاقي، وعلى سبيل المثال عمليات التشهير، وتحديد الجمهور الذي تهتم به حكومة معينة أكثر من غيره، ولا تنطوي الوظيفة فقط على تقويض سمعة الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان، وعلى الرغم من أهمية ذلك.
ونحاول أيضاً السعي لحرمان الحكومات من الأشياء الأخرىّ التي تريدها، سواء كانت مبيعات أسلحة، أو مساعدات عسكرية، أو مساعدات إقتصادية، وإذا تمكنا من تكييف قدرتها على الحصول على هذا الشيء لتحسين سلوكها، فيمكننا ممارسة ضغط جاد عليهم للتغيير، وهذه البراغماتية هي ما حاولت دائماً تقديمه لـ “منظمة الحق”، وما أعتقد أنه يميزنا، ونحن لسنا مجرد حفنة من فاعلي الخير الذين يدافعون عن الشيء الصحيح، بل ضمن الكثريين الممييزين الذين يلعبون الكرة بقوة، ونحاول إجبار الحكومات على التغيير وتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
نسمه تشطة: قال”جويل سيمون “الرئيس السابق للجنة حماية الصحفيين، علينا أن ننسب الفضل”لـ “بعض المنظمات الحقوقية، في تغيير الطريقة التي يتعامل بها الصحفيون ووسائل الإعلام كمؤسسة مع قضية حقوق الإنسان في كل مكان، في رأيك مامعنى هذا؟
أبوالياسين: لقد حدث تطور هائل في حركة حقوق الإنسان على الأرض في السنوات القليلة الماضية، ولقد تغيرت قدرتنا، وقدرة العاملين في هذا المجال على الحصول على المعلومات في الوقت المناسب بشكل جذري، وإنتهت بديات حركة حقوق الإنسان في عصر السفن البخارية، عندما كانت المعلومات تتنقل عبر المحيط، وتصل إليك بعد عدة أسابيع أو أشهر، والطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها التأثير حقاً كانت من خلال النظر في مشاكل الصورة الكبيرة مثل العبودية أو تأمين حق المرأة في التصويت، وتشغيل حملات طويلة المدى، وحتى عندما بدأت في”منظمة الحق”كانت بداية إنتشار واسع للتكنولوجيا، والإنترنت، وأصبح التواصل مع الناس سهلاً وسلساً، والأمر أصبح لايستغرق وقتاً طويلاً للحصول على المعلومات.
وأصبح اليوم، كل شخص لديه هاتف محمول ، ويمكن للجميع إلتقاط الصور أو مقاطع الفيديو، ويمكن للجميع الوصول الفوري إلى النشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي، لذلك يمكننا اليوم إعداد تقارير في الوقت الفعلي، مما يعني أنه إذا كانت هناك إنتهاكات في مكاناً ما في الصباح، فيمكننا ممارسة الضغط حتى لا يتكرر في غداة اليوم التالي، ولقد أدىّ ذلك إلى تحول كامل في الحركة، ونشاهد هذا الأمر يتجلىّ في أوكرانيا، والهند والصين وغيرهم اليوم، حيث تشارك بعض المنظمات، والعديد من الصحفيين هناك في تغطية الأخبار في الوقت الفعلي، وهو الأمر الذي نجح في الضغط على الكرملين، ومؤخراً، وفي الصين والهند.
نسمه تشطة: هل يمكننا أن نتحدث قليلاً عن وسائل التواصل الإجتماعي وغيرها من التقنيات الجديدة مثل الهواتف الذكية، وعندما تم تقديمهم، وكان الحلم أنهم سيجعلون العالم أفضل، وأن يكونوا سلعة لا تشوبها شائبة، ولكن في الواقع، رأينا أنها يمكن أن تسبب قدراً هائلاً من الضرر الحقيقي، وهل تعتقد أن وسائل التواصل الإجتماعي على الخصوص كانت بمثابة نعمة أو مشكلة بالنسبة لحقوق الإنسان؟
أبوالياسين: من الواضح أن وسائل التواصل الإجتماعي ذات حدين، إنه مهم كمصدر للمعلومات، وأداة تنظيم، لأنه يمكّن الناس من التواصل مع بعضهم البعض، والإلتقاء والاحتجاج بطريقة قد تكون أكثر صعوبة لولا ذلك، ومن الصعب اليوم إخفاء الإنتهاكات التي تتم في أي مكان في العالم .
وبعد كلامي هذا، نحن جميعاً ًعلى دراية بالجانب”السلبي” تماماً كما لم يعد الأشخاص العاديون معتمدين على، وسائل الإعلام التقليدية لنشر الخبر، ويمكن للجهات الفاعلة الأكثر شناعة، سواء كانت حكومية أو خاصة أيضاً التحايل على الوظيفة التحريرية للوظيفة التقليدية، وسائل الإعلام وتنشر الكراهية، أو المعلومات المضللة، ولقد رأينا بعض الإستبدايين ينشرون هذا النوع من حملات التضليل الدعائية بشكل فعال للغاية، وأعتقد أن شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الإجتماعي متأخرة جداً في معالجة ذلك.
وفي الولايات المتحدة، يستثمرون في محاولة تحسين مراقبة منصاتهم، ولكنهم في البداية هم القاعدة عندما يتعلق الأمر بمعظم البلدان الأخرى، حيث لا يستثمرون في المهارات اللغوية، والثقافية اللازمة للعب دور الوسيط على منصاتهم.
نسمه تشطة: ما هي أكبر التحديات التي واجهتها خلال فترة عملك في الحق الدولية؟
أبوالياسين: واجهتنا عدة تحديات منها بعد ثورات الربيع العربي، والتي صاحبها العنف المتزايد، والصراعات، وبعدها ظهور الكثير من العنف العرقي، وكان ذلك تحدياً كبيراً لسنوات عدة، ثم مررنا بما شعرت به أيام الهالكون عندما أعتقد الناس أن الديمقراطية قد وصلت إلى جميع أنحاء العالم، ولكن بعد ذلك بدأ عدد متزايد من المستبدين، وكارهي الحرية، في بعض الدول في تعلم كيفية التلاعب بالديمقراطية، وتقويض الضوابط، والتوازنات على السلطة التنفيذية، والتلاعب بالنظام الإنتخابي بما يكفي للإحتفاظ بالسلطة دون سيادة القانون، ودون الحقوق الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأصبح اليوم لدينا الصين، التي تمثل تحدياً أيديولوجياً كبيراً لمفهوم حقوق الإنسان برمته، وإذا حصل الرئيس “شي جين بينغ” على ما يريد، لكانت حقوق الإنسان مقياساً لنمو الناتج المحلي الإجمالي، ولا يريدك أن تسأل حتى عن الحقوق الإقتصادية، والإجتماعية، ولم يكن هذا مثل الحقبة السوفيتية، عندما أدعىّ السوفييت أنهم كانوا يروجون للحقوق الإقتصادية والإجتماعية بينما كان الغرب يدفع بالحقوق المدنية والسياسية.
ولايستخدم”شي جين بينغ “
هذا الخطاب حتى ، لأن الحديث عن الحقوق الإقتصادية، والإجتماعية يتطلب النظر في كيفية تعامل الحكومة مع حياة أسوأ شرائح المجتمع، وآخر شيء يريدك ًشي” أن تسأل عنه هو كيف يفعل الأويغور ، وكيف يفعل التبتيون، وحتى كيف يفعل الصينيون الهان الريفيون، من أجل التوقف عن إستجواب، وإنتقاد حكمه القمعي المتزايد، ويستخدم “شي جين بينغ” أشياء مثل مبادرة الحزام والطريق التي تبلغ تكلفتها تريليون دولار لشراء الأصوات في الأمم المتحدة.
وهو يحاول بنشاط تقويض النظام الدولي لحقوق الإنسان، رغم أنه رئيس دولة عضو مؤسس لمجلس الأمن وللقانون الدولي وهي أول من تتلاعب بمادئ هذا القانون، لذلك أصبح لدينا قوة إقتصادية قوية للغاية تعارض بشدة نظام حقوق الإنسان الدولي الذي تم بناؤه على مدى 57 عاماً الماضية، وشاهد العالم بأسرة زيارة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان “ميشيل باشليه”للصين والفشل الزريع الذي لحقها بعده الزياردة فضلاً عن؛ الإنتقادات الواسعه في حماية مسلمو الإويغور، وخرجت بتقرير مخيب لأمال الجميع،
وهذا يُعد أهم أحد التحديات الكبيرة اليوم التي يعوق العمل في مجال حقوق الإنسان.
نسمه تشطة: يبدو أن “الصين” اليوم لا تهتم كثيراً بالتكامل مع الغرب، وأقل إهتماماً بما يفكر فيه بقية العالم، وهل حرم ذلك دعاة حقوق الإنسان من بعض الوسائل التي إستخدمتها من قبل؟
أبوالياسين: دعني أتحدىّ مقدمة هذا السؤال، يهتم الآن الرئيس الصيني بسمعتهُ الدولية، لأنه إذا سألتيه أو سألة أي شخص عن سبب كونه حاكماً شرعياً، فلن يتمكن من الإشارة إلى الإنتخابات، ويمكنه أن يقول، حسناً، والجميع سعداء لأنهم يزدادون ثراءً، لكن جزءً كبيراً من شرعيتهُ تأتي من حقيقة قبوله من قبل المجتمع الدولي، وهذا هو السبب في أن الحكومة الصينية تبذل جهوداً غير عادية لمحاولة فرض رقابة النقد في جميع أنحاء العالم، سواء كان من قبل الحكومات، أو الشركات الخاصة أو غيرها.
لا سيَّما أن لديهم عملية رقابة واسعة النطاق تصل إلى حرم الجامعات في جميع أنحاء العالم، ولقد طاردوا المدير العام لنادي هيوستن روكتس
“داريل موري”، وتقدّم موري، الذي أثارت تغريدتهُ الذي نشرها في 15 أكتوبر 2020 الداعمة للإحتجاجات في “هونغ كونغ” أزمة مع الصين، بالإستقالة من منصبه جبراً، وفق ما أفادت تقارير صحافية آنذاك، وهم قيادات”الصين” شديدو الحساسية، وقد لعبت بعض المنظمات الدولية على ذلك.
والجميع خائفون من الإنتقام الإقتصادي من قبل الصين، ويعلم الجميع ما حدث لأستراليا، على سبيل المثال، عندما كانت لديها الجرأة في السعي لتحقيق مستقل في أصول COVID-19، واجهت أستراليا رسوماً عقابية ضخمة جداً حينها، ولذلك كانت إستراتيجية بعض منظمات حقوق الإنسان ذات الرأس مالية العالية، وذات النفوذ المؤثر عالمياً منها “هيومن رايتس ووتش” هي تجميع الحكومات معاً لتوفير الأمان بالأعداد، وقد نجحوا في القيام بذلك، وكانت المرة الأولى التي فعلتها تلكُما المنظمات فيها ذلك بالتوازي مع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، عندما رتبا لتجمع أكثر من 24 حكومة معاً لإصدار إدانة مشتركة لقمع الأويغور في شينجيانغ.
ونمت هذه المجموعة الآن إلى أكثر من 46 حكومة أصدرت بيانات مشتركة دورية، والحكومة الصينية يزعجها هذا بل تكره ذلك، وفي كل مرة ينظمون بياناً مضاداً مع أشباههم، من منتهكي حقوق الإنسان في العالم، ولكن هذا يظهر فقط مدى إهتمام الحكومة الصينية بهذا الأمر.
نسمه تشطة: هل تقلق من أن الإنفصال الإقتصادي، وظهور حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة، والديمقراطيات الأخرى من جهة، والصين وروسيا، وبعض الأنظمة الأخرى التي تنتهك حقوق الإنسان من جهة أخرى، سيجعل الكفاح من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان أكثر صعوبة، لأن الولايات المتحدة ستصبح أكثر إهتماماً بما إذا كانت الدول ستساعدها في معركتها ضد الصين وروسيا، وستكون أقل إهتماماً بسجلات حقوق الإنسان لحلفائها؟
أبوالياسين: دعني أقول “كـ”مقدمة أعتقد أنه من الخطأ وضع روسيا والصين في نفس الفئة، وروسيا في الحقيقة مجرد محطة وقود بجيش فقط، وليس لديها قوة ناعمة، ولا يوجد شيء جذاب في النظام الروسي، وبوتين لم يبق له سمعة طيبة من ناحية أخرى، وتتمتع الصين بإنتشار عالمي، وتطلعات “أيديولوجية” عالمية، وفي حين أن الصين قد تبتعد عن الغرب، علاوةً على ذلك، فإنها لا تزال لا تنفصل عن الغرب، وليس بأي حال من الأحوال، ولا تزال مرتبطة إقتصادياً بالغرب، ولا تزال مهتمة بسمعتها، ولذلك أود أن أضع البلدين في فئات مختلفة.
لكني أعتقد أن سؤالك وبالتحديد، مع إعطاء القوى الغربية الأولوية لمواجهة روسيا أو الصين، هل سيبدأون في المساومة على حقوق الإنسان بالطريقة التي فعلوا بها خلال الحرب الباردة؟ صحيح ومهم، نحن نشهد بالفعل دلائل على حدوث ذلك، عندما قالها هل تريدني أن أضخ المزيد من النفط؟ عليك أن تبدأ في إعادة بيع الأسلحة الهجومية لي، وعليك التخلص من الدعاوى المرفوعة ضدي، ولحسن الحظ لم يشتري الرئيس”جو بايدن” تلك الصفقة، ونآمل أن يتمسك برفضه، لكن البيت الأبيض يفعل أشياء مثل إقتراح عقد قمة مع قادة الآسيان”منظمة إقتصادية تضم 10 دول”منها دول عربية.
نسمه تشطة: لماذا يدعو “جوبايدن” قادة مثل الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، أو الرئيس الكمبودي هون سين إلى البيت الأبيض، بعد وقت قصير من إستضافته قمة الديمقراطيات؟
أبوالياسين: هؤلاء قادة إستبداديون، وحشيون يتناقضون مع القيم التي كانت الولايات المتحدة تحتفل بها للتو، والجواب بالطبع هو أن البيت الأبيض يحاول تعزيز التحالف ضد الصين، ولكنهُ يعرض لـ خطر المبادئ التي قال بايدن إنها ستوجه سياستهُ الخارجية.
نسمه تشطة: هل جعل نفاق الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي عمل حقوق الإنسان أكثر صعوبة؟
أبوالياسين: في الواقع نحن وبعض المنظمات البارزة لم تتمكن من الإعتماد على حكومة الولايات المتحدة كمروج موثوق لحقوق الإنسان، لا سيما خلال عدة سنوات ماضية في عهد الرؤساء السابقين فيما قبل الرئيس “باراك أوباما ” وقامت بعض المنظمات البارزة منها “هيومن رايتس ووتش” بالتغيير بحيث لم تعد منظمة أمريكية بشكل أساسي، وإنها الآن أصبحت عالمية، وما فعلته منذ أكثر من عقد من الزمان هو البدء في بناء حضور للدعوة خارج واشنطن العاصمة، واليوم أصبح لديها حضور كبير في مجال الدعوة في لندن وبروكسل ،وباريس، وبرلين وستوكهولم، وجنيف وساو باولو جوهانسبرغ وسيدني وطوكيو، وغيرهم.
وأصبح لديها الآن القدرة على نشر المعلومات، والوصول إلى وسائل الإعلام والحكومات في جميع أنحاء العالم، وهذا ما حاولنا، وإجتهدنا إلية كـ منظمة الحق، من تعديل قانون الجمعيات الأهلية ليُتيح لنا كمنظمة مصرية عربية بفتح أفرع لنا في جميع دول العالم لنحتضن كل مواطن عربي لمظلة عربية دولية شرعية لتكون متنفس لهم حتى لا يُتركوا فريسةً للمنظمات الغربية التي تعمل بفكر لا يتماشى مع الفكر العربي، وقد يضر بلده أكثر ما يفيدها، ووفقنا في هذا وتم تعديل قانون الجمعيات الأهلية مما يتيح لنا بذلك.
وفي كثير من الأحيان، فإن الحكومات التي تتطلع إليها أغلب المنظمات الحقوقية قبل كل شيء لممارسة الضغط على حكومة مستهدفة ليست هي حكومة الولايات المتحدة، في الواقع، وخلال سنوات ترامب، كانت الحكومة الأمريكية بلا قيمة تقريباً عندما يتعلق الأمر بتعزيز حقوق الإنسان، وكان ترامب حينها مشغولاً للغاية بإحتضان كل ما هو مستبد، ولذلك كان على بعض المنظمات البارزة عالمياً أن نبني تحالفاً لحقوق الإنسان في مكان آخر، وقد فعلوا ذلك بنجاح كبير، مع العديد من الديمقراطيات الأوروبية.
والآن نرىّ أن “بايدن ” أفضل بكثير ممن سبقةُ، ولقد عاد إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولقد أعاد تبني مبادئ المناخ في باريس، وأعاد تبني منظمة الصحة العالمية، وإنه كثيراً ما يستخدم لغة مؤيدة للديمقراطية، ورفع عقوبات ترامب عن المحكمة الجنائية الدولية، وتضغط الولايات المتحدة الآن من أجل محاكمة المحكمة الجنائية الدولية للإنتهاكات الروسية في أوكرانيا على الرغم من أن روسيا ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يمثل تطوراً كبيراً على الساحة الان.
نسمه تشطة : جاءت إدارة الرئيس”بايدن ” على شكل وعود بجعل حقوق الإنسان، والديمقراطية محورين في سياستها الخارجية، كيف تقيم أدائها حتى الآن؟
أبوالياسين: أعتقد أنهم كانوا جيدين فيما يتعلق بمؤسسات حقوق الإنسان العالمية، حيث عادوا بالفعل إلى الإنخراط، و”بايدن” هو شخص متعدد الأطراف حقيقي، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الثنائية، فهو غير متسق، ولقد كان قوياً في التعامل مع الصين، كما ينبغي أن يكون، ولقد كان جيداً على المستوى الخطابي الواسع حول أهمية الديمقراطية، ولكن إذا نظرت يوماً بعد يوم، فليس من الواضح مدى إختلاف مواقفه عن المواقف التقليدية للحزب الديمقراطي، ولا يوجد فرق جذري بين ما يفعله بايدن، وما فعله الرئيس باراك أوباما رغم انه كان نائباً له.
نسمه تشطة: أريد أن أطرح عليك سؤالًا تم طرحه على الكثير من الأشخاص الذين يعملون في مجال حقوق الإنسان، وهو؛ كما تنظر إلى الوراء على مدىّ عقدين ماضية، هل تشعر أن العالم قد تحسن كثيراً عندما يأتي لحماية حقوق الإنسان وإحترامها ومنع الإنتهاكات؟
أبوالياسين: إذا أصح وكان السؤال هو؛ هل العالم أفضل أم أسوأ؟، فمن الصعب جداً الإجابة بنعم أو لا، وعليك أن تنظر إلى المنطقة، أوحسب المنطقة، ففي السابق قبل أن أكون ناشطاً في مجال حقوق الإنسان، رأيت تقدماً هائلاً في أوروبا الشرقية، والتي إنتقلت من ديكتاتوريات الحزب الشيوعي إلى ديمقراطيات نابضة بالحياة في الغالب، ولقد تحولت أمريكا اللاتينية من دكتاتوريات عسكرية في الغالب إلى ديمقراطيات ذات مغزى في الغالب، وإنتهى الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وأصبح جزء كبير من جنوب وغرب إفريقيا في وضع أفضل بكثير مما كان عليه من قبل، وتم تحسين الكثير من شرق وجنوب شرق آسيا إلى حد كبير.
ولكن مناطق أخرى بقيت على حالها أو تراجعت، أجزاء كبيرة من الإتحاد السوفياتي السابق، والصين تتراجع بسرعة، وربما تكون في أسوأ فترة منذ مذبحة ميدان تيانانمن، وكان الشرق الأوسط مستقراً حينها بشكل ملحوظ في قمعه، ولذا فهي حقيبة مختلطة.
وما يمكنني قوله هو أن عمل، وحركة حقوق الإنسان اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه، هناك مجموعات مهمة لحقوق الإنسان في كل دولة تقريباً، والقدرة على جمع ونشر المعلومات تفوق بشكل كبير ما كانت عليه من قبل، ولقد تعلم القادة كيفية التلاعب بالديمقراطية، وتقويضها للحفاظ على الشكل الإنتخابي وليس الجوهر.
ولكن حتى وإن كان هناك هذا، أعتقد أن الوقت في صالح من يقوم بالعمل في مجال حقوق الإنسان، لأنه في دولة تلو الأخرى، سواء كانت هونغ كونغ أو تايلاند أو ميانمار أو دول عربية، أو أوغندا أو بيلاروسيا، أو روسيا، أو كوبا أو نيكاراغوا، يخرج الناس إلى الشوارع للدفاع عن ديمقراطيتهم، وكان هناك تدفق كبير للدعم الشعبي للديمقراطية في مواجهة هذه الإتجاهات السلبية، والناس مع المدافعين عن حقوق الإنسان، وإذا وضعت نفسك في مكان مستبد، فهذا عالم يتزايد فيه العداء.
كما كان هناك تطور متزايد بين القوى المناهضة للإستبداد، والتي بدأت في بناء تحالفات كبرى من اليسار إلى اليمين المتطرف، حيث الشيء الوحيد الذي يتشاركونه هو كراهية المستبد، ولقد نجحت مثل هذه التحالفات في الإنتخابات في جمهورية التشيك، وحتى إسرائيل، ومؤخراً في سلوفينيا، وهذا ما حدث في الإنتخابات الفرنسية الأخيرة، حيث إحتشد الناس خلف الرئيس”إيمانويل ماكرون” ضد مارين لوبان مرشحة اليمين المتطرف، وحتى إختيار “جو بايدن”، والذي ربما لم يكن الخيار الأول لأحد، ولكن كان يُنظر إليه على أنه أفضل طريقة للتغلب على ترامب الذي بدأ مرحلة ولايتةُ بسياسة إستبدادية وسياسة أستقواء وخاصة فيا يخص القضية الفلسطينية.