حقُّ الطفلِ والنشءِ ورعايتُهُ بينَ الضرورياتِ والحاجياتِ والتحسينياتِ
6 شعبان 1445هـ / 16 فبراير 2024م
متابعة / محمد حامد عليوة
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِهِ الكريمِ: {يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ}، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ . وبعدُ:…………
فإنَّ المتأملَ في الشريعةِ الإسلاميةِ يجدُ أنَّها أولتْ إعدادَ الإنسانِ عنايةً خاصةً، بدايةً مِن تكوينِ الأسرةِ، مُرورًا بمراحلِ الحملِ، والولادةِ، والرضاعةِ، فكفلتْ للطفلِ حقَّهُ في الرضاعةِ الطبيعيةِ حولينِ كاملينِ، دونَ أنْ يزاحمَهُ طفلٌ آخرُ خلالَ تلكَ المدةِ؛ حفاظًا على حقِّهِ في التغذيةِ الصحيحةِ التي مِن شأنِهَا أنْ تساعدَ على بناءِ جسدِهِ بناءً قويًّا، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ:
{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًاۚ}، ويقولُ سبحانَهُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ
الرَّضَاعَةَ}.
وتتنوعُ حقوقُ الطفلِ والنشءِ بينَ الضرورياتِ والحاجياتِ والتحسينياتِ، فالضرورياتُ: هي الأمورُ التي لا بُدَّ منهَا في قيامِ مصالحِ الدنيا والدينِ، كحقِّهِ في الطعامِ والشرابِ وما لا تقومُ الحياةُ إلّا بهِ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ:
(كفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَن يقوتُ)، ويقولُ ﷺ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ ؛ والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ).
وأمَّا الحاجياتُ فهي الأمورُ التي يترتبُ على فقدِهَا الوقوعُ في المشقةِ، كحقِّهِ في التعلمِ على الوجهِ الأكملِ، فالجهلُ يضرُّ بحياةِ الأفرادِ والأممِ على حدٍّ سواءٍ، يقولُ سيدُنَا عمرُ (رضي اللهُ عنه): “أدّبْ ابنَكَ؛ فإنَّكَ مسئولٌ عن ولدِكَ ما علمتَهُ”.
ولا شكَّ أنَّ الأممَ التي تحسنُ تعليمَ أبنائِهَا، وإعدادَهُم وتأهيلَهُم أممٌ تتقدمُ وترتقِي، فالعبرةُ ليستْ بالكثرةِ العدديةِ، وإنّمَا بالصلاحِ والنفعِ، فإنَّ القلةَ التي يُرجَى خيرُهَا وبركتُهَا خيرٌ مِن الكثرةِ التي لا خيرَ فيهَا، وهذا ما أكدَهُ القرآنُ الكريمُ في قولِهِ تعالَى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ولذلكَ فإنَّ الأنبياءَ (عليهم السلامُ،) عندمَا طلبُوا الولدَ إنّمَا طلبُوا الولدَ الصالِحَ لا مطلقَ الولدِ، فهذا نبيُّ اللهِ إبراهيمُ (عليهِ السلامُ) يقولُ: {رَبِّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ}، وهذا سيدُنَا زكريّا (عليهِ السلامُ) يقولُ: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}، فليستْ العبرةُ بالكثرةِ وإنّمَا بالصلاحِ الذي يعبرُ عنهُ حديثُ النبيِّ ﷺ: (المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ) والقوةُ هُنَا عامةٌ، تعني المؤمنَ القويَّ بدنيًّا وصحيًّا وعلميًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وأمَّا التحسينياتُ فهي: ما يتمُّ بهَا اكتمالُ وتجميلُ أحوالِ الناسِ وسلوكياتِهِم وتصرفاتِهِم، ومنها: حقُّهُم في حسنِ بناءِ شخصياتِهِم وتعليمِهِم الرمايةَ والسباحةَ وركوبَ الخيلِ، فهذا نبيُّنَا ﷺ يَمُرُّ علَى نَفَرٍ مِن أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: (ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ. فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ، قالَ: ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ)، ويقولُ سيدُنَا عمرُ (رضي اللهُ عنهُ: “علِّمُوا أبناءَكُم السباحَةَ والرَّمْيَ والفروسيةَ“.
ومنها: الحنُوُّ على الأطفالِ وملاطفتُهُم، فها هو نبيُّنَا ﷺ يسجدُ
يومًا ويطيلُ السجودَ حتى قالَ الناسُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّكَ سجَدْتَ بينَ ظَهْرَانَيْ صلاتِكَ سجدةً أطَلْتَها، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه قدْ حدَثَ أمْرٌ، أو أنَّه يُوحَى إليكَ، قال: كلُّ ذلكَ لم يكُنْ، ولكنَّ ابْني ارْتَحَلَني، فكرِهْتُ أنْ أُعْجِلَهُ حتَّى يَقضيَ حاجتَهُ)، وعندمَا كانَ رسولُ اللَّهِ ﷺ يخطبُنا إذ جاءَ الحسنُ والحُسَيْنُ عليهمَا قميصانِ أحمرانِ يمشيانِ ويعثُرانِ ، فنزلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ منَ المنبرِ فحملَهُما ووضعَهُما بينَ يديهِ ، ثمَّ قالَ : صدقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ نظرتُ إلى هذينِ الصَّبيَّينِ يمشيانِ ويعثُرانِ فلم أصبِر حتَّى قطعتُ حديثِي ورفعتُهُمَا)، وكان ﷺ يُصلِّي وهو حاملٌ حفيدتَهُ أمامةَ بنتَ زينبٍ (رضي اللهُ عنها)، فكان إذا سجدَ وضعَهَا، وإذا قامَ حملَهَا.
فما أحوجَنَا إلى هذا الفهمِ الصحيحِ الذي بهِ تستقيمُ حياتُنَا وحياةُ أبنائِنَا في ظلِّ تعاليمِ دينِنَا الحنيف.ِ
اللهُمَّ احفظْ أولادَنَا بحفظِكَ الجميلِ، وباركْ في أوطانِنَا، وَارْفَعْ رَايَتَهَا فِي الْعَالِمِينَ.
وارحم اللهم موتانا جميعا وشهدائنا الأبرار برحمتك وكرمك وجودك يآرب العالمين وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.