حديث الملائكة
بقلم: أسامة حراكي
الموسيقى غذاء الروح والحل السحري لتوترات العصر، وصفها الفيلسوف الألماني “آرثر شوبنهاور” بأنها حديث الملائكة، والتداوي بواسطتها كان من منذ عهد الفراعنة، وقبل آلاف السنين من ولادة السيد المسيح، وكانت تعتبر لغة سماوية ولغة المخاطبة مع الإله، واستعملها طبيبنا العربي ابن سينا، فمنذ قدم العصور كانت النفوس تهدأ عبر الموسيقى، فعالج الأطباء العرب المرضى النفسيين بالموسيقى، بعد توصلهم إلى الأثر الفعال الذي تحدثه النغمات في النفس، وإن كان سبقهم في ذلك الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني “فيثاغورس” إلا أنهم جعلوا منه نظرية قائمة بذاتها.
اتفق الأطباء العرب على مصلحات علمية موحدة بشأن العلاج النفسي بالموسيقى، إذ كانوا يسمون الخاطر المحمود إلهاماً، والخاطر المذموم وسواساً، ووضع ابن سينا في موسوعته “الشفاء” أوقاتاً مخصصة للعلاج النفسي بالموسيقى، وتوصل إلى مطابقة الألحان على مزاج الإنسان، واهتم العثمانيون بالآذان، وأنشأوا مؤسسة لتدريب المؤذنين أصحاب الأصوات العذبة، وكان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يحب صوت سيدنا بلال رضي الله عنه، لما فيه من عذوبة وجمال.
فالموسيقى نغمة صنعتها الأضلاع في عالم سحري وزمن ضوئي يحتسيه الحالمون، نغمة عابرة للحدود، هي الفرح الكبير، والمعنى الذي يمكننا التعرف إليه على حركة الوجود، فكل شيء في الوجود مرتبط بالصوت، والصوت هو الحركة اللولبية التي يمكننا من خلالها تفسير الكثير من الأشياء الجامدة والمتحركة، الموسيقى ليست هي اللغة العالمية التي يفهمها البشر فحسب، بل هي الصورة الناطقة باسم الشعوب وثقافتها، والملاذ لكل إنسان يسعى إلى الحياة بكل ما تعنيه من أمل وتحول ومفاجآت صاخبة وجميلة ومتميزة، الموسيقى هي الإنسان حيث يسعى إلى الوصول إلى الذات، بكل ما يعني هذا الوصول من علاقات وتداخلات في مساحة الحياة وما فيها من قوة وأنسنة، فالموسيقى تزرع في روح العازف أو الموسيقار الكثير من القوة التي قد تحقق المعجزات، وهي التناغم الذي يحصل بين الكلمة واللحن، يغذي الروح ويجعلها تعيش في منأى جميل، والكلمة واللحن يشكلان نبضاً يشبه نبض القلب، من حيث المعنى الذي ينتج الحياة، وعلاقة الكلمة بالموسيقى وثيقة جداً، وهما يشكلان حركة بناء في الحياة.
والكتابة عن الموسيقى تشبه الموسيقى نفسها من حيث التأثير في النفس، فالعود بصوته الرخيم وحضوره المتميز متعدد الأدوار يبدأ من التقاسيم ولا ينتهي بالموسيقى الحديثة، فهناك بعض الموهوبين والمثقفين مع المثاقفة والمزاوجة بين أنواع الموسيقى المختلفة، والبعض يفضل الإلتزام بشرقيتها، لكن علينا أن نكون مع التجريب إلى آخر الحدود لكن من دون عبثية، حيث تكون المثاقفة والمزاوجة كارثية مع البعض ولا يعرفون ماذا يفعلون، فالوعي هو العنصر الأهم.
وعلى الملحنين أن يرفعوا مستوى الإيجابية الهابط بشكل مأساوي هذه الأيام كي يبقى الفن الراقي، ففي المعزوفات الموسيقية كما في الكتابة الروائية تلعب الآلات دوراً أساسياً وأخرى دوراً ثانوياً، على أساس توزيع الأدوار بينها، ففي الموسيقى كما الرواية حبكة، وأصعب المقطوعات الموسيقية هي السهلة والمحبوكة جيداً في آنٍ واحد، والعزف المنفرد يكون محط السمع والنظر، أما في العزف الثنائي أو الجماعي يكون هناك نوع من المنافسة بين العازفين.
ومن مشاكل الموسيقى أن هناك أزمة نصوص شعرية لا تحمل جديداً في مضمونها، وأيضاً هناك جمل موسيقية ملحنة على المقام نفسه وغالباً هو مقام الكرد التي تكاد تشبه نفسها في العديد من الأغاني، حيث يخيل إلينا أننا نستمع إلى الأغنية نفسها، وبالطبع هناك العديد من الاستثناءات، ويا ليت بعض الملحنين يأخذون وقتاً أطول لإعداد اللحن، فاللحن الجيد يحتاج إلى التأمل والوقت حتى ينتهي.
لو أن الموسيقى تدرّس بشكل صحيح في المدارس لحصلنا على جيل أكثر هدوءاً وفهماً وأقل عنفاً، فالموسيقى ليست ترفاً أو كماليات، بل هي ضرورة لتقدم الإنسان وتطوره، والذين يعادون الموسيقى هم إما جهلة وإما مغرضون، فالموسيقى نعمة مثل زقزقة العصافير، وحفيف أوراق الشجر، وخرير مياه النهر، وهدير موج البحر، فكلها موسيقى ربانية ساحرة.
فالموسيقى هي لغة عالمية تستطيع أن تتواصل مع شعوب الأرض كافة، وعنها قالوا:
ـ لقد وجدت حضارات بلا رياضيات، حضارات بلا رسم، حضارات حرمت من العجلة أو الكتابة، لكن لم توجد حضارة بلا موسيقى – جون بارو
ـ الموسيقى هي أقرب شيء بعد الصمت، يمكن التعبير بها عما لا يمكن وصفه ـ ألدوس هكسلي
ـ أعطني أذناً أعطك صوتاً ـ جبران خليل جبران
ـ الموسيقى أقدر وسيلة للتعبير عما لا يمكن التعبير عنه بعد الصمت ـ الدوس هكسلي
ـ الموسيقى تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه ـ فيكتور هوغو
ـ الموسيقى هي الوسيط بين الحياتين الروحية والحسية ـ بيتهوفن
ـ احتقر العالم الذي لا يحس بأن الموسيقى أنبل وحياً من الحكمة والفلسفة ـ بيتهوفن
ـ من يسمع الموسيقى يحس وكأن وحدته قد ازدحمت فوراً بالناس ـ روبرت براوننغ
ـ مراقبة الألم من وراء الزجاج شيء مضحك، كالأطرش الذي يسمع موسيقى ـ محمد الماغوط.