“جنون بنى البشر “ظاهرة صحية فى التعايش مع واقعهم
اللواء. أ.ح. سامي محمد شلتوت.
※ نحن أمة خالية من المجانين الحقيقيين، وهذا أكبر عيوبنا.!. كل منا يريد أن يظهر قويا و عاقلا و حكيما ومتفهماً، يدخل الجميع حالة من الإفتعال و البلادة و إنعدام الحس تحت تلك الأقنعة. فيتحول الجميع إلى نسخ متشابهة مكررة، و مملة. نحن في حاجة إلى الجرأة على الجنون، و الجرأة على الإعتراف بالجنون. علينا أن نكف عن إعتبار الجنون، عيبا و إعتبار المجنون عاهة إجتماعية.!. فحياتنا تدفع إلى الجنون، و حين لا يجن أحد فهذا يعني أن أحاسيسنا متلبدة، و تخاذلنا أمام ألتاريخ و المعادلات و أن فجائعنا لا تهزنا!
فالجنون دلالة صحية على شعب معافى لا يتحمل إهانة واذلال، و دلالة على أن الأصحاء لم يحتفظوا بعقولهم لأنهم لا يشعرون، بل لأنهم يعملون على غسل الإهانة. نحن في حاجة إلى الجنون لكشف زيف التعقل و الجبن و اللامبالاة. فالجميع راضخون ينفعلون بالمقاييس المتاحة، و يفرحون بالمقاييس المتاحة، يضحكون بالمقاييس المتاحة، و يبكون و يغضبون بالمقاييس المتاحة، لذلك ينهزمون بالمقاييس كلها ولا ينتصرون أبدا.
بغتة يجن شخص، يخرج عن هذا المألوف الخانق فيفضح حجم إذعاننا و قبولنا و تثلم أحاسيسنا.
يظهر لنا كم هو عالم مرفوض و مقيت و خانق، و كم هو عالم لا معقول و لا مقبول، كم هو مفجع و مبكي، و كم نحن خائفون وخانعون وقابلون؟…
※ إن البحث عن الحقيقة هو عمل فردي قبل أن يكون عمل مشترك،
إلا أن الطريق إلى هذه الحقيقة دائماً ما تتسم بالصعوبة و العرقلة،
فأولاً من العادات والتقاليد و الأعراف التي تعتبر كل معرفة و كل حقيقة خارج إطار أفكارها
و أيديو لوجيتها هي ضرب من الجنون و خروج عن المعقول، و ثانياً من الفكر الفردي الذي يقابل فكرنا الفردي،فنحن لا نعيش بمعزل عن المجتمع فحتى لو استطعنا بطريقة ما الفرار من تعصب العادات والتقاليد فإننا لن نستطيع أبداً الفرار من المجتمع ككل، و من ثم فكل شخص في مسعاه إلى الوصول إلى الحقيقة يتصادم في طريقه بشخص آخر يحاول أن يصل إلى حقيقته و هنا نجد أنفسنا أمام الإشكالات التالية…إذا إفترضنا أننا جميعًا وصلنا إلى حقيقة موضوع ما، فمن منا هو الأصدق بالإجابة عن هذا
الموضوع؟!!.بمعنى آخر ماهي المعايير التي تحدد مصداقية موضوع ما من غيره؟.!!. ثم على أي مبدأ و على أي أساس تقوم هذه المعايير؟ هل على أساسات أخلاقية؟ أم سياسية؟ أم دينية؟…
المطلوب بعض الجنون الوصول إلى الحقيقة………