جمعة الشوان.. قصة بطل كشف أكذوبة الموساد
حوار أسامة حراكي
حكاية وطن يعيد نشر حواري مع البطل الراحل جمعة الشوان في 2010 بمناسبة 25 ابريل ذكرى تحرير سيناء
في محاولة لتقديم نماذج تاريخية قدمت لبلادها تضحيات كثيرة وغيرت مع غيرها معالم التاريخ، واستدعاء الحكايات ونفض غبار النسيان من على أبطال منهم من ضحوا بحياتهم وأعمارهم وقدموا الغالي في سبيل الوطن، ومنهم من قاوموا ضد أصعب الظروف وأعقدها وأبحروا ضد التيار وحطموا حواجز الخوف وكرسوها لخدمتنا، وأحد هؤلاء الأبطال رجل المخابرات العامة المصرية البطل أحمد الصراف الشهير “بجمعة الشوان” وبمناسبة ذكرى 25 ابريل عيد تحرير سيناء، نعيد نشر اخر حوارته، والذي كان في نهاية عام 2010
فمن داخل أحد شقق حي عابدين، في إحدى عمارات شارع الفلكي التي تطل على مدرسة المنيرة الإعدادية بنين، كان لنا مع البطل هذا اللقاء.
– ما هو الإسم الحقيقي لبطلنا؟
إسمي الحقيقي أحمد محمد عبد الرحمن الصراف والهوان هو لقب عائلة والدتي لقبت به لأني عملت لفترة مع أخوالي.
– ومن جمعة الشوان؟
هو الإسم الذي أطلقاه عليَ الراحليين الكاتب صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي في عملهم التلفزيوني “دموع في عيون وقحة” وجمعة نسبتاً ليوم كريم ومبارك، والشوان على وزن الهوان، وكان أول عمل درامي من سجلات المخابرات المصرية.
– هل كان لك إسم حركي أو عميل برقم ما؟
نعم كان لي اسم حركي ورقم و لكن غير مصرح لي الإعلان عنهم، أما مع الموساد فكان إسمي جورج سايكو.
– كيف كانت حياتك قبل بدء مهمتك الوطنية؟
أنا من مواليد السويس نشأت في أسرة مكونة من سبعة أبناء مع والدي ووالدتي رحمهم الله، وكان ترتيبي الخامس ومع أني لم أكن أكبرهم إلا أني تحملت مسؤليتهم مع أبي، وأنا في الرابعة عشر من عمري وعملت في الميناء والبحر وتعرفت على الأجانب وتعاملت معهم وتعلمت منهم عدة لغات، ولقبني السوايسة “بالشاطر” حيث أصبحت في فترة قصيرة صاحب شركة سياحة ولم أكمل بعد التاسعة عشرة من عمري وبعد قرارات التأميم التي شملت منها شركتي، عدت مرة أخرى للعمل في الميناء، ثم عينت رئيساً لقسم الأشغال ثم فتحت الشركة فرعاً في بور توفيق وعينوني مديراً لإدارته براتب كبير، لكني لم أحب العمل الحكومي فاستقلت وبدأت أنظم عدة رحلات ترفيهية لأطقم السفن التي كانت ترسوا على ميناء السويس ومدها بالمواد التموينية، ثم قامت حرب 67 التي حولت السويس لمدينة أشباح بسبب الغارات التي دمرت كل شيء و أخذت في طريقها اللانش الذي امتلكته والذي كنت قبل قصفه انقل به بعض جنودنا من الضفة الشرقية إلى السويس أثناء إنسحابهم في حرب 67 وأصبحت لا أملك شيء، وهُجرنا للقاهرة ثم سافرت لليونان على أمل أن أجد صاحب شركة يوناني، لي عنده حوالي 2000 جنيه إسترليني قيمة مواد تموينية لأحد سفنه قبل الحرب ومن هناك بدأت القصة.
– هل القصة التي قُدمت في المسلسل هي القصة الحقيقية كاملةً؟
ما قُدم في المسلسل 7% فقط من الحقيقة و ما لم يذكر كان للدواعي الأمنية والعسكرية، حيث الفترة التي كانت بعد إنهاء خدمتي وظهور المسلسل فترة قصيرة، عامان فقط و لا يجوز قانوناً الإفراج عن الأسرار إلا بعد مرور مدة طويلة.
– وما هي القصة الحقيقية؟
القصة الحقيقية بإختصار هي أني من أبلغت المخابرات المصرية، حيث تعرفت في اليونان على مجموعة من الحسناوات اليهوديات اللائي عرفنني على مجموعة من رجال الأعمال الذين صرفوا عليَ ببذخ، وعرضوا عليَ العمل مديراً لفرع شركتهم التي ينون فتح فرع لها بالقاهرة مقابل مبالغ خيالية لم أكن أحلم بها بعد أن تنقلت وسافرت معهم لعدة مدن أوربية، وطلبوا مني مراقبة حركة الميناء وتصويرها وأعطوني مبلغ 185 ألف دولار خبأوها في مخبأ سري داخل حقيبة، وعند عودتي ساورني الشك بأني وقعت في يد الموساد فقررت أن أبلغ الرئيس جمال عبد الناصر.
– وهل استطعت أن تقابل الرئيس الراحل؟
بعد أربعة أيام، حيث توجهت إلى مبنى المباحث العامة وطلبت مقابلة رئيس المباحث وانتظرت أربع ساعات حتى يلتقي بي، وعند اللقاء سألني لماذا تريد مقابلة الرئيس فقلت لأمر يهم البلد، فاستضافوني لمدة ثلاثة أيام وأنا مُصر على ألا أتكلم إلا أمام الرئيس، وفي اليوم الرابع اتصلوا بسامي شرف مدير مكتب الرئيس وطلب احضاري وقابلته وأكدت له أني لن أتكلم إلا أمام الرئيس، وقد كان.
– وكيف كانت مقابلة الزعيم؟
عندما دخلت إليه اصابني الإضطراب وتلعثمت بالكلام فلاحظ هو ذلك فهدء من روعي وسلم عليَ و أشار لي بالجلوس و دطلب لي عصير ليمون وله فنجان قهوة، ثم هدأت وجمعت أفكاري وسردت عليه ما حصل وأطلعته على مبلغ 185 ألف دولار الذي كان مخبأ في الحقيبة والذي لم يكتشفوه موظفي الجمرك ورجال المباحث أثناء تفتيشي، ثم قال لي سأرسلك إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه لأن ما حصل معك شغل موساد وأوصاني أن أقص عليهم كل شيء كما فعلت، ثم ودعني بعد أن شكرني على موقفي مربتاً على كتفي مؤكداً عليَ عدم إغفال أي أمر عن رجال المخابرات وأعطاني رقم هاتفه الخاص وقال إذا أردت أي شيء إتصل بهذا الرقم وسأكون قريباً منك ولا تنسى أن مصر بحاجة إلى أمثالك، وكلف رئيس المخابرات المصرية بتولي الأمر، ثم ذهبت بسيارة من الرئاسة إلى مبنى المخابرات وطُلب مني أن أكتب كل شيء من يوم ما ولدت وحتى وقت حضوري إليهم، وسلمت المبلغ بالكامل للمخابرات، وتولوا تدريبي وتوجيهي وكان رئيس فرقة الضباط المسؤلين عني والذي ظهر في المسلسل بالريس زكريا والذي وصل إلى منصب نائب مدير جهاز الأمن القومي، ثم عين محافظاً للأسكندرية وهو حالياً وزير الدولة للتنمية المحلية اللواء عبد السلام محجوب “كان هذا في وقت اجراء الحوار”.
– وهل أكملت العمل مع الإسرائيليين من غير أن يَشكوا في أمرك؟
في عام 1968 سافرت إلى هولندا لأبدأ عملي معهم ووضعوني تحت إختبار للتأكد من ولائي لهم حيث زعموا أنهم راقبوني في مصر وشاهدوني وأنا أدخل مبنى المخابرات المصرية، فحبسوني داخل غرفة بإحدى مزارع امستردام واحضروا 12 رجلاً كان كل أربعة منهم يتناوبون على ضربي حتى أعترف وكان يُغمى عليَ من شدة الضرب وصمدت رغم شدة الآلام، وبعد ما تأكدوا من سلامة موقفي ونجحت في خداعهم، عملت معهم حتى أنهيت مهمتي وزرت إسرائيل أثناء عملي معهم 38 مرة، حيث أعطوني جواز سفر إسرائيلي بإسم يعقوب منصور سكرتير أول بالسفارة الإسرائيلية بإيطاليا، وخرجت من الموساد برتبة عميد.
– وماذا كانوا يطلبون منك، و كيف كانت تدريباتهم، و ما حقيقة جهاز اللاسلكي الذي حصلت عليه؟
كانوا يطلبون مني متابعة حركة الموانيء وتصوير المعدات التي كانت تحملها السفن ورصد الشارع المصري، وطلبوا أن أجد شقة في وسط البلد لكي تكون مقر الشركة الوهمية والمراسلات بعيداً عن بيتي وأسرتي، فاستأجرت هذه الشقة وأسستها كشركة وأسميتها “تريديشن” وكنت أمدهم بمعلومات غير صحيحة وبعض المعلومات الصحيحة بأمر المخابرات المصرية لتضليلهم، مثلاً كنا نرشدهم عن أماكن قواعد للصواريخ بعد أن نغيرها بقواعد هيكلية فيقومون بضربها، ودربني الإسرائيليين على الكتابة بالحبر السري وجهاز الإرسال وحل الشفرات، وبالنسبة للجهاز فأنا حصلت على جهازين وليس واحد فالأول كان يبعث بالرسالة خلال 10 ثواني وكان هذا قبل حرب 73 وبعد إنتصارنا وصلتني رسالة من الموساد يطلبون حضوري فوراً إلى “البيت الكبير” أي تل أبيب، فشعرت بالخوف وأحسست بأنهم كشفوني ويريدون حضوري للإنتقام فرفضت بعد أن طلبت مني المخابرات المصرية الذهاب لإسرائيل، إلى أن طلبني الرئيس السادات فالتقيت به وقال لي “لو أن مصر طلبت منك أن تضع رقبتك تحت الترماي متتأخرش، دي مصر يا أحمد” فتحمست من جديد وسافرت إلى روما ومنها إلى تل أبيب وبعد وصولي لشقتي التي كانت بشارع “ديزن كوف” وجدت أن معظم الضباط الذين كانوا يدربونني قد تغيروا وذلك دليل على أن نصر أوكتوبر خلخل أمن إسرائيل، فتظاهرت أمامهم بالحزن الشديد بسبب الهزيمة بإعتباري إسرائيلياً، كما أبديت لهم حسرتي على ضياع منصب محافظ السويس الذي كانوا قد وعدوني به عند دخولهم القاهرة منتصرين، وقاموا بتدريبي من جديد وكان رئيس فرقة الضباط المسؤلين عني “شيمون بيريز” الذي أصبح فيما بعد رئيساً للموساد ثم تولى عدة مناصب في الحكومة الإسرائيلية، وفي أخر لقاء لي معه تم تدريبي على جهاز إرسال حديث يستطيع إرسال رسالة في خلال 5 ثواني فقط وكان هذا الجهاز الثاني الذي حصلت عليه، حيث تم إخفائه في فرشاة أحذية وعندما رآها بيريز جديدة ولم تستعمل من قبل نهر الضباط المساعدين له وقال: معقول أن تكون جديدة، فجلس أسفل قدمي ومسح حذائي بالفرشاة إلى أن أصبحت مصبوغة بلون حذائي، و بعد عودتي كانت أول رسالة نرسلها لإسرائيل بواسطة الجهاز الجديد “من المخابرات المصرية إلى رجال الموساد الإسرائيلي نشكركم على حسن تعاونكم معنا طيلة السنوات الماضية وإلى اللقاء في جولات أخرى”.
– وماذا كان رد فعل الإسرائيليين بعد أن كشفتوا لهم خداعكم؟
علمت بعد ذلك بانتحار بعض رجالهم الذين كانوا يتولون تدريبي مع بيريز.
– وما هي شخصية بيريز بإعتبارك تعاملت معه عن قرب؟ شخصيته هادئه و قوية في نفس الوقت لا تعرف الهزيمة و كان يقول دائماً “إذا خسرنا جولة فهناك جولات أخرى”.
– وهل صحيح أن ضابطة الموساد جوجو تعاونت مع المخابرات المصرية؟
هي يهودية من أصول مغربية اقتنعت بحق الفلسطينيين وكانت تحزن عندما ترى ما يفعله الجيش الإسرائيلي بالفلسطينيين من قتل وتشريد، فبعد نجاحي في تجنيدها قررت ترك الصهاينة وقدمت للمخابرات المصرية معلومات عن جيش الدفاع الإسرائيلي ومفاعل ديمونة، وبعد إنتهاء العملية سافرت لإيطاليا ومنها جاءت إلى مصر واستقرت فيها وأشهرت إسلامها في الأزهر وحولت إسمها إلى “فاطمة الزهراء” وحجة لبيت الله وتزوجت وأنجبت ولدين وبنت وتعيش في مصر حتى الآن، و نلتقي أسرياً دائماً.
– ما رأيك في دور الإعلام؟
المجتمع يلوم الشباب ويتهمهم باللامبالاة وعدم الإنتماء، والإعلام لا يقدم لهم الإرشادات والتوعية الوطنية إلا في أوقات معينة من السنة حين تأتي المناسبات الوطنية ويأتي المجتمع يطالبهم بالولاء والإنتماء، صحيح أن لديهم ولاء وانتماء ولكن يحتاج للدفع فعلينا أن نوفر لهم هذا ثم نحاسبهم، عندما كنت صغيراً كان يُدرس لنا في المدارس مادة الوطنية كنا نتعلم من خلالها معنى الوطنية والقومية، اليوم لم تعد هذه المادة ذات أهمية والدليل على ذلك أن درجاتها لا تضاف للمجموع النهائي.
– كيف تنظر لقضية عملية التجسس الأخيرة ؟
الجوع كافر لكن الأكفر أن يبيع الإنسان عرضه وارضه ودينه، ومن يفعل ذلك فهو جرثومة يجب القضاء عليها، واقل شيء يستاهله الجاسوس الذي يفعل ذلك الشنق.
– هل ترى أن الفنان عادل إمام قام بتجسيد شخصيتك بشكل جيد أم ترى أنه هناك من كان أفضل منه؟
الفنانان الراحلان محمود مرسي أو فريد شوقي فهم الأقرب لأسلوبي وتفاصيل شخصيتي.
– شقة الفلكي ماذا تمثل بالنسبة لك، و هل هي من مال الإسرائيليين؟
لي فيها ذكريات جميلة وغير جميلة فقد كانت غرفة عمليات لعملية تجسس مزدوج لصالح مصر، واستأجرتها من مالي الخاص ولم أكن آخذ أي شيء من المخابرات المصرية، وجميع ما حصلت عليه من مبالغ من الإسرائيليين قدمته للمخابرات المصرية، ولو أردت أن أكون مليونيراً لفعلت.
– كيف تعيش حياتك الآن و كيف حال زوجتك السيدة فاطمة ؟
الحمد لله أشعر أني أديت واجبي وزوجتي فاطمة رحلت عن عالمنا وأعيش مع اسرتي الصغيرة زوجتي الحالية الدكتورة ثريا وأبنائي الذين عوضوني عن أشياء كثيرة.
– هل ترى أن مصر أعطتك حقك من الرعاية كالمعاش والتأمين الصحي؟
ما قدمته في سبيل مصر هو واجبي، والشعب المصري أعطاني حقي من حب وتقدير، فالبعض يسألون عني دائماً وحين ألتقي بمن يعرفونني من الشعب أجد منهم كل الحب والتقدير هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى لا يوجد إهتمام فمنذ خمس سنوات طالبت من المسؤلين أن يخصص لي معاش، حيث لم يكن لي راتب أو معاش فأرسلوا لجنة من الضمان الإجتماعي لدرس حالتي فقرروا صرف معاش لي وهو 70 جنيه، فشكرتهم في الجرائد على صرفهم المعاش وتنازلت عنه، مع أني كنت أتمنى أن أعالج على نفقة الدولة حيث أعاني من عدة أمراض في قدمي وعيني وبحاجة لزرع قرنية ولكن للأسف كل من يؤدي خدمة للوطن يُغبن، وليس هذا حالي وحدي فيوجد لي زملاء كثيرين خدموا الوطن ولم يجدوا ثمن علاجهم، وفي الفترة الأخيرة اجريت عمليتين في القلب على نفقتي وتكبدت مصاريف طائلة وخرجت من المستشفى منذ 20 يوم وبعد خروجي بـ 10 ايام اعلن بأني سأعلج على نقة الدولة ولم يتم أي شيء ومع ذلك اشكر كل من وقف معي في مرضي وسأل عني، فالشكر للشعب المصري والعربي والإعلاميين محمود سعد ووائل قنديل وجابر القرموطي.
– ماذا تفعل لوعاد بك الزمن؟
لو عاد بي الزمن سأفعل ما فعلته من أجل مصر، برغم أوضاعي المعيشية القاسية وآلالامي.
– في انتخابات الشورى والشعب الماضية إنتخبت من، الحزب الوطني أم المعارضة؟
ليس لدي بطاقة إنتخابية ولا أريد أن أستخرجها لأن الوطني والمعارضه كلهم واحد ولا ينفذ أحد وعوده بعد أن يصل للمقعد.
– أنت مع التغيير وحق تعديل الدستور؟
من وجهة نظري لا يوجد ثقة بين العرب وحكامهم بما فيهم مصر، أما الدستور إن عُدل فسيُعدل بما يتماشى مع مصالحهم.
في النهاية أجرينا هذا الحوار بقيم أخلاقية ومبادىء ومعايير حضارية لا نقصد به تشويه أحد، وإن هذا الحوار بما فيه من إيجابيات وسلبيات وجمل مضيئة ورمادية وملونة وبلا لون، تأكيد أن التغيير كائن حي وقابل للنمو والتفاعل وأن فاعليته لن تنتهي إلا بنهاية نبض الحياة، فبعد أشهر من هذا الحوار قامت ثورة 25 يناير المجيدة، وتم علاج بطلنا على نفقة القوات المسلحة، وتوفي بطلنا في الاول من نوفمبر 2011
فليكن لنا وقفة مع أنفسنا نرتب أفكارنا ونعدل أوراقنا لننطلق إلى أهداف تخدم وطننا، فهذا دورنا وهذه مسؤليتنا وتلك غايتنا.