تضليل استراتيجى وممنهج حسب أساسيات علم الجهل !
بقلم : نبيل قسطندى قلينى
علم الجهل هو علم لا يعلم عنة الغالبية العظمى من المواطنين بل أغلبهم لم يسمع عنة .
بدأ علم الجهل في التسعينات ، بعدما لاحظ الباحث دعايات شركات التبغ التي تهدف إلى تجهيل الناس حول مخاطر التدخين، ففي وثيقة داخلية تم نشرها من أرشيف إحدى شركات التبغ الشهيرة، تبين أن أبرز إستراتيجية لنشر الجهل كان عن طريق إثارة الشكوك في البحوث العلمية التي تربط التدخين بالسرطان .
ومن حينها انطلق لوبي التبغ في أحدى الدول لرعاية أبحاث علمية مزيّفة هدفها تحسين صورة التبغ اجتماعيا ونشر الجهل حول مخاطره.
كما هو ملاحظ ، الجهل ليس انعدام المعرفة فقط، بل هو منتج يتم صنعه وتوزيعه لأهداف معينة، غالبًا سياسية أو تجارية.
حسب أساسيات علم الجهل يوجد تضليل استراتيجي وممنهج، والذى يستند على قنوات ثلاث:
١- بث الخوف لدى الآخرين
٢- إثارة الشكوك
٣- صناعة الحيرة
وليس هناك أفضل مثالا من الحكومات في تجسيد مبدأ إثارة الرعب لدى المواطنين لتمرير مصالحها وأجندتها.
تارة يتم صنع أعداء وهميين لتحشيد الرأي العام، وتارة يتم ترعيب الجمهور بالقدر المظلم إذا لم يشاركوا في هذه المعركة وتلك، وكأن الأرض ستفنى بدون هذا الهجوم المقدس !
لا غريزة بشرية تنافس غريزة حب البقاء، ولذا من الممكن أن تبيع السمك في حارة الصيادين او تبيع الماء في حارة السقايين، عندما تهدد أمنهم وبقاءهم !
أما إثارة الشكوك فهو ثاني أعمدة التجهيل، ويتم توظيفه غالبا في القطاع التجاري والاقتصادي، ولا مانع في مجالات أخرى وهذا بالتحديد منهج الكثير من الشركات. فبعد هبوط مبيعاتها بنسبة ٢٥% بدأت شركة مشروبات غازية عالمية بدفع ما يقارب 5 ملايين دولار لباحثين أكاديميين لتنفيذ مهمة تغيير فهم المجتمع حول أسباب السمنة، وذلك بتقليل دور المشروبات الغازية في انتشار السمنة وتوجيه اللوم إلى عدم ممارسة التمارين الرياضية!
هذه الأبحاث المدفوعة يتم نشرها لإثارة الشكوك في ذهنية الفرد حتى يعيد تشكيل موقفه بما يتناسب مع أجندة هذه الشركات.
ولأن كثرة المعلومات المتضاربة تصعب من اتخاذ القرار المناسب، يدخل الفرد في دوامة من الحيرة حتى يبدو تائها وجاهلا حول ما يجري، ويزيد العبء النفسي والذهني عليه، فيلوذ بقبول ما لا ينبغي القبول به، طمعا في النجاة من هذه الدوامة، وهذه تحديدا هي الغاية!
في هذا العصر الرقمي، بات الجهل والتضليل سلعة يومية تنشر وتساق على الجمهور، من حكومات وشركات وأصحاب نفوذ…. الخ
ان الصمود أمام كل هذه القوى يتطلب جهودا ذاتية ووعيا مستقلا يبحث عن الحقيقة بعيدا عن العاطفة والأمنيات .
سيكون من قصر النظر وفرط السذاجة لو اعتقدنا أن علم الجهل محصور على الغرب، بل هي أقرب إلينا من أي شيء آخر ! فهل نعيد مراجعة ما حولنا لنكتشف ما نحن فيه ؟