“تجليات إيمانية”
ما الحياة إلا يوم أو بعض يوم
كتب/ مجدي عبدالله
تخيل نفسك وانت تجلس عبر السوشيال ميديا او في الحياة كشخص قرر أن يقضي ليلة في فندق، فدخل غرفته بنية الراحة والنوم. ولكن بعد لحظات من جلوسه، أخذ يتأمل الغرفة، ولم تعجبه اللوحة المعلقة هناك علي الحائط امامه، فقرر استبدالها بأخرى تُناسب ذوقه.
لم يكن هذا كافيًا ليهدأ، فعندما عاد إلى غرفته، انشغل بتفاصيل أخرى لم تُعجبه في الجدران ولونها، ففكر كيف يُغيّرها وانشغل بهذا حتى شعر بالكآبة لأنه لبس لديه الوقت للتغيير، فلم يستطيع النوم حتي غادر الفندق وهو مثقل بالهموم بدلا من الراحه.
هل تستطيع أن تصف هذا الرجل بالحكمة؟ أم تسميه مبالغاً في الأهتمام بتفاصيل لا تستحق؟
فلو تأمل لحظات لعلم أنه سيغادر هذا المكان بعد ليلة أو ليلتين، وأن انشغاله بتلك التفاصيل لن تُضيف شيئًا ذا قيمة إلى إقامته المؤقتة.
وهنا يظهر التشبيه الذي يعبر عن قصر الدنيا وسرعة زوالها، فهو كمن ينزل في مكان مؤقت ولا يلبث فيه طويلاً، لكنه يبالغ في تزيينه وتحسينه، وكأنه سيبقى هناك للأبد. ولعلّ هذه النظرة هي ما يوجهنا القرآن الكريم إلى التفكير فيها.
إنَّ الله سبحانه ينقلنا في آياته الكريمة إلى مشاهد البعث والنشور، لنرى الإنسان واقفًا حائرًا أمام الحياة التي ظنها طويلة، ولكنه يوم الحساب يسأل نفسه ومن حوله: كم لبثنا؟ وهذا ما نراه في قوله تعالى:
> “وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ” [الروم: 55].
وكأن هذه الحياة، بكل ما فيها من تفاصيل واهتمامات، لا تُساوي في نظر الإنسان ساعةً من الوقت. إنها رسالةٌ بليغة من الله تعالى أن الدنيا سريعة العبور، وأنَّها ليست سوى وسيلة، لا الغاية التي ينبغي أن نعلّق آمالنا عليها.
عندما نتعمق في هذه الفكرة، نجد أن كثيراً من أمور الدنيا تستدعي منا أن نتخلى عن التعلق الزائد بها، وأن لا نمنحها أكثر من حجمها الطبيعي. فلا حزنٌ شديد على ما فات، ولا سعيٌ محمومٌ لأمورٍ زائلةٍ. وفي هذا السياق يقول الله تعالى:
“قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا”* [النساء: 77].
وبذلك، ليس المقصود ترك الدنيا، أو أن ننأى بأنفسنا عن العمل، بل أن ندرك أن الحياة هي وسيلة نسعى فيها، ونبني، ونرتقي. فنجعل من الدنيا دار عملٍ وزرع، نتطلع من خلالها إلى حرث الآخرة. وقد قال الله عز وجل:
*> “مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ”* [الشورى: 20].
وتأمل كيف أنَّ لحظة ذكرٍ صادق لله سبحانه، أو تسبيحة خاشعة، قد تكون خيرًا من الدنيا وما فيها، لأنها تحمل معنى الخلود والبقاء، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس” (رواه مسلم). وكذلك، صلاة مقبولة واحدة قد تكون أثمن من كل متاع الدنيا لأنها تدوم في سجل حسنات الإنسان وتثقل ميزانه يوم القيامة.
ويأتي هنا توجيه القرآن الذي يذكرنا بغاية الوجود، وهو أننا في رحلة مؤقتة، نسعى فيها لأجل الآخرة. فالدنيا ليست إلا كظلٍ نتركه خلفنا، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: “ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها” (رواه الترمذي).
فلتكن الدنيا في قلوبنا بقدرها، وسيلةً لا غاية، ونعي تمامًا قول الله تعالى:
“وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”* [آل عمران: 185].