“اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم”
المقال الاسبوعى للأستاذة الدكتورة مفيدة ابراهيم على عبدالخالق عميدة كليات الدراسات الإسلامية والعربية
متابعة ناصف ناصف
(الاستقامة)، من الألفاظ التي اختص بها القرآن الكريم و من الألفاظ المركزية في الشريعة الإسلامية. ومقام الاستقامة أعلى المقامات، يُرتَقَى به لأعلى الدرجات وهو أقربُ طريق موصل إلى الجنة, ولذلك يطلب المؤمنون معرفتَه والثباتَ عليه بقولهم في كل ركعة من ركعات الصلاة: ” اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ” الفاتحة- 6 ,و(الاستقامة) بحسب مفاهيم الشّرع: لزوم ما جاء به الشّرع أمرًا ونهيًا. قال تعالى: “وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ” الأنعام:153. وقد ورد لفظ (الاستقامة) في القرآن الكريم في صيغة الفعل، بمعنى الثبات والدوام على الدعوة إلى الدين، وقد جاء الأمرُ بالاستقامة في سورة هود في قوله تعالى: ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “هود-112.، والاستقامة – كما أمر الله – لا تقومُ بها إلا الأنفس المطهَّرة، والذوات النقيّة؛ ولذلك حصرها الله عز وجل في التائبين، وقد أمر اللهُ المؤمنين بالاجتهاد في تحصيلها في قوله تعالى: ” فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ” فصلت- 6، وأمَر بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه؛ كما جاء عن سفيان الثقفيِّ قال: قلت: يا رسول الله، قُلْ لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك، قال: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقِمْ))؛ أخرجه مسلم. . وورد وصفًا لـ(الصِّرَاطِ) في قوله تعالى: “وَيَهْدِيكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا” الفتح-2. ويأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة. في قوله عز وجل: “فادع واستقم”الشورى:15، أي: اثبت على الدين الذي أمرت به.
والاستقامة على دين الله، والمحافظة على العبادات، وحب هذا الدين، والتضحية من أجله، شعار الصادقين، وسبيل المؤمنين، وسر نجاحهم، وقد أثنى الله على المؤمنين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصدقهم، وتحملهم، والتزامهم بهذا الدين, ولذا فأن الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وسائر العبادات، يجب أن تكون لله، في المنشط والمكره، في العسر واليسر، قال -تعالى-: “الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ” آل عمران-17.
والصدق يكون مع الله في الالتزام بدينه، وتطبيق أحكامه، وتقديم حبه وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- على كل حب ويكون بإخلاص الأعمال، والصدق في التوبة، والإنابة.
إن الناس من حولنا والأمم والشعوب لا يحكمون علينا إلا من خلال تصرفاتنا وأفعالنا، فلنكن صادقين مع أنفسنا ومع من حولنا، وذلك بتطبيق قيمنا وأخلاقنا كما جاء بها الإسلام.
و لنصبح أكثر قدرة على تقدير نعم الله عليه وبالتالي تحمل مصاعب ومشكلات الحياة، ولنساعد على زيادة التواصل الاجتماعي داخل المجتمع، حتى تتجلى لدينا معانٍ عظيمة من التـراحم والتسامح واحترام الآخرين . إن الاستقامة في التحليل النهائي ليست سوى تمحور المسلم حول مبادئه ومعتقداته ، مهما كلف ذلك من عنت ومشقة ، ومهما ضيع من فرص ومكاسب . وهذه هي العظمة التي ينبغي أن نعيش بها ونحيا بها بين الأمم، ثم لنعلم أن الأجر عظيم، والمثوبة من الله لا حدود لها لمن استقام وتخلق بأخلاق الصادقين، وكان إماماً وقدوة في الخير .
أ .د / مفيدة إبراهيم علي – عميد كليات الدراسات الإسلامية والعربية