كتب اسعد عثمان
بداية أحيي الجميع من مشاركين ومتابعين لهذه الندوة التي أتشرف فيها بمشاركة صفوة من أهل الفكر والإعلام حتى وإن جاءت مشاركتي عبر وسيط لأسباب عارضة لدي.
وفي هذا اللقاء الاعلامي المتميز المواكب لاحتفالية اليوم الوطني للاعلام في المملكة المغربية أنتهز الفرصة لأقدم أصدق التهاني إلى المملكة ملكا وحكومة وشعبا وهم على مشارف الاحتفال بيوم الاستقلال في ذكراه الخامسة والستين راجيا للجميع كل تقدم وازدهار واستقرار ونماء ورخاء.
وما أسعدني بجمعكم الكريم في أمسية تواكب الاحتفال باليوم الوطني للإعلام في المملكة المغربية، مقدرا جهود الفيديرالية المغربية للصحافة الجهوية في تنظيم هذه الندوة والمعرض المصاحب لها في عاصمة الجهة الشرقية وجدة مدينة العلم والثقافة التي نالت قبل عامين لقب ” عاصمة العرب الثقافية” لعام 2018.
كما أشكر من دعوني إلى المشاركة معكم من موقعي على شاطئ الخليج أقصى شرق الوطن العربي الكبير لآتي إليكم في موقعكم أقصى الغرب الممتد الى شواطئ المحيط.
ومادمنا في مجال الحديث عن الصحافة الجهوية أو الاقليمية فإنه يجب الإشارة الى أن نشأة هذا اللون الاعلامي كانت في مصر في حقبة الستينات من القرن الماضي وإن كانت بداياتها حينذاك محصورة في اصدار مجلات مطبوعة ترتبط بجهات ادارة حاكمة في منطقة الصدور ثم جاء دور الصحف الأسبوعية التي أصدرها بعض الصحفيين النشطاء، قبل أن تصبح ظاهرة الصحافة الاقليمية موضع اهتمام الكثيرين في كل المناطق في مصر مع اختلاف التوجهات والاهداف والأفكار حسب القائمين على ادارته.
ولأني أحادثكم من دولة الإمارات العربية المتحدة التي أقيم فيها منذ عقود فإنه من الضروري أن أشير إلى تلك المحاولات الأولى التي تنتسب إلى الصحافة الجهوية او الاقليمية التي تؤكد حاجة المجتمعات الصغيرة أو المناطق المحدودة البعيدة عن المراكز الحضرية إلى وسائل اعلامية خاصة بها عبر ابتكارات تناسب عصرها وظروفها.
وهنا اشير إلى أن اول صحيفة مطبوعة في الإمارات وهي صحيفة “النخي” (والاسم باللهجة المحلية يخص نوعا من أنواع الحمص ) تعتبر مجازا أول صحيفة مطبوعة في الإمارات وقبل عقود من تأسيس دولة الاتحاد حيث صدرت عام 1934 في مدينة العين بإمارة أبوظبي على أيدي المواطن الاماراتي مصبح بن عبيد الظاهري والذي يعد رحمه الله أول صحفي في بلاده التي تشهد اليوم نهضة كبرى في كل المجالات وبخاصة في الاعلام بكل ألوانه.
ولصحيفة ” النخي” الاماراتية حكاية تستحق ان تروى وننقل هنا جزءا من حوار صحفي أجراه الظاهري قبل رحيله حول الصحيفة التي اصدرها:
(بدأت فكرة صحيفة «النخي» التي أسّسها الظاهري في 1934م بسيطة للغاية، ورقة من الكرتون دوّن عليها فوائد «النخي» بأسلوب شائق، مركزاً على فوائده الصحية، وعلّقها على واجهة المقهى، فقرأها كل من مر بها، حتى لفت انتباههم، وحظيت المعلومات عن النخي باهتمام الرجال، فزادت المبيعات على نحو كبير، ما شجعه على كتابة نسخ عدة من «النخي» وتوزيعها، وزاد عددها في البداية على 10 نسخ في الأسبوع، وعُدّت تلك الألواح بمثابة أول صحيفة في الإمارات.
وأوضح الظاهري: «طورت التجربة لاحقاً، فبدأت بكتابة الأخبار والمعلومات عن المواليد والوفيات والأعراس وأحوال الطقس، وحتى حالات الطلاق في مناطق العين، فضلاً عن أخبار وصول القوافل التجارية التي تأتي من أبوظبي ودبي والشارقة، وظروف الطريق من العين إلى أبوظبي ودبي، وفي مرحلة متقدمة أضفت أخباراً كنت أسمعها من إذاعتي صوت العرب، ولندن).
واسمحوا لي أن أسرد لكم بعض تفاصيل اقترابي من تجربة صحافتكم المغربية الجهوية حيث كان لي شرف التعرف على الرائد الإعلامي المكرَّم، الأخ الصديق محمد الهرد عبر أصدقاء مشتركين، والذي منحني فرصة الاطلاع على تجربته في تأسيس أول صرح صحفي في الجهة الشرقية بجريدته “الشرق”، التي تجاوزت اليوم ربع قرن في صدور متواصل رغم كل تحديات واجهتها في بعض السنوات، وكان العزم والإرادة هما سلاحا الصمود من أجل استمرار دور رائد في مسيرة التنوير وإنماء الوعي الوطني في كل المراحل التي مرت ببلادكم الزاهرة والناهضة في كل مجالات الحياة.
وعندما اقتربت من الأخ الصديق محمد الهرد في زيارته الاولى لمصر حيث التقينا في القاهرة قبل عامين، استمعت
في لقاءاتي معه إلى رحلة الصمود لجريدة (الشرق) التي أدارها بكل حنكة ومهارة من أجل أداء الدور المنشود.
وأتوقف هنا لأقول أنني واحد من المهتمين بما تسمونه في بلادكم الصحافة الجهوية ونسميه في مصر الصحافة الإقليمية، وذلك للتفرقة بين ما يسمى بالصحافة القومية وهي الصحف الكبرى التي تصدر في العاصمة وتحظى برعاية رسمية توفر لها كل أسباب الاستمرار دون معاناة. وهنا يمكن القول بأن صحيفة جهوية مثل الشرق حققت بالفعل معجزة
في استمرارها لربع قرن وعامين، وهو ما يعني أن هذه الصحيفة وهي الأولى في منطقتها قد حققت في أوساط ساكنة الجهة الشرقية من الأثرً والتأثيرٍ ما جعلها تواصل الصدور حتى اليوم، ولعل ذلك هو أقوى عوامل الصمود … لأن نجاح الصحافة الجهوية لديكم والصحافة الإقليمية في مصرمرتبط بمستوى التركيز على شؤون المواطن الحياتية التي قد تنزوى في الصحف القومية أو نتلاشى وسط اهتمامات أكبر وفق توجهات او قضايا قومية
وفي رأيي أن الصحافة الجهوية والإقليمية تتوافق مهنيًا وإلى أبعد الحدود مع الصحافة القومية، لكن الفارق الأهم بينهما هو أن الصحف القومية هي مرآة أي وطن، الجامعة لكل طوائفه والمعبرة عن توجهات الرأي العام في المحيط والتراب الوطني كله.
أما صحف الأقاليم كما يطلق عليها، فهي صحافة تتميز بكونها نبض الشارع في منطقة الصدور والناطق باسم ساكني المنطقة حول مختلف القضايا والأمور التي قد تكون شؤونا محلية أو ظواهر طارئة في منطقة دون أخرى مما يجعل من معالجة هذه الامور لمثابة الواجب الأسمى والأهم لدى الصحف الناطقة باسم موقع الصدور دون أن تفقد ارتباطها العضوي بما يدور في المحيط الوطني، باعتبار ذلك معززًا لرسالة التنوير التي تشكل منطلقًا مهمًا للإعلام في كل البلدان.
ومن هنا… ومن قلب هذه الندوة المتميزة، أوجه التحية إلى تلك الجريدة الإقليمية أو الجهوية التي تصدر في صعيد مصر، وتحديدًا في عاصمة محافظة أسيوط، وهي صحيفة “اليوم” التي أسسها الأخ الأستاذ عبدالله تمام وكان أول رئيس تحرير لها هو الصديق الإعلامي الكبير علاء عبدالجليل الذي أدارها بأسلوبٍ رائع جعلني أقول له بكل ثقة: لقد جعلتم من أسيوط قاعدة انطلاق للصحف الإقليمية في مصر رغم أنكم لستم من أوائل صحف الأقاليم
والآن وفي شهادة حق في صدق أقول أن إدارة التحرير في صحيفة “اليوم” في صعيد مصر قد نجحت وإلى أبعد الحدود في أن تجعل من صدورها منبرًا إعلاميًا يحمل نبض الشارع وكل ما يعتمل في نفوس المواطنين من مشكلات أو قضايا أو آمال وطموحات.
ولا يفوتني هنا أن أشير الى ذلك المنبر الاعلامي الاقليمي أو الجهوي و الذي انطلق قبل اربع سنوات في مدينة الاسكندرية المصرية كموقع الكتروني تحول الى جريدة مطبوعة باسم “حكاية وطن” قبل أن يعود ثانية الى الوضع الالكتروني بسبب ما تشهده أسعار الورق والأحبار من ارتفاع متزايد له أثره في مضاعفة حجم الانفاق المادي على كل عدد مطبوع، ولايزال هذا المنبرالاعلامي نشطا ومتميزا كمنبر محلي تحت ادارة الزميلة الفاضلة ماجي المصري.
ولعلّي هنا أصرِّح باطمئنان كبير بأن “الشرق” في مغرب الوطن العربي و”اليوم” في صعيد مصر و “حكاية وطن ” في ثغرها السكندري في مشرقنا العربي يمثلان بالفعل نجاحًا للإعلام الجهوي أو الإقليمي وهو ما يجب أن يكون قاعدة ارتكاز لتوجيه كل الدعم للصحف الملتزمة بأصول المهنة وقواعد السلوك الوطني من أجل استمرار الوعي واستنارة العقل وتحقيق وحدة الفكر تجاه قضايا العصر.
أحييكم وأشكركم، وأختتم كلمتي بتقديم التهاني إلى الرائد المكرّم في هذه الأمسية الصديق الإعلامي الكبير الأستاذ محمد الهرد راجيًا له دوام التوفيق ولصحيفة الشرق كل ازدهار وانتشار، وبوركت جهود منظمي هذه الفعالية.