بقلم/ د. محمود عبدالعال فرّاج – كاتب وخبير اقتصادي في زيارة عمل أخيرة إلى مشروع المدينة المستدامة في إمارة دبي استوقفتني تجربة رائدة جدًّا في مجال المسؤولية المجتمعية للشركات، هي تجربة تستحق إلقاء الضوء عليها، إذ خصص ملاك المدينة ومطوروهامساحات شاسعة من الأرض لتقديم فكر مبتكر ومبدع عن كيفية دمج الأطفال ذوي الهمم بالمجتمع من خلال تجربة محاكاة مجتمعية رائدة ومبدعة، عبر خلق نموذج يحاكي الحياة العامة، وجعل هؤلاء الأطفاليعايشون تجربة حياة حقيقية، ومن ثم إطلاق قدرات هائلة إلى سوق العمل داخل تلك المدينة، تمهيدًا لدخولهم سوق العمل من أوسع أبوابه. صراحةً عايشت تجربة فذة وفريدة من خلال هذا المركز (مركز سند لأصحاب الهمم)، وصمَّمت على أن يكون المقال الجديد عن التركيز على الحلول الابتكارية المبدعة في مجال المسؤولية المجتمعية، بعيدًا عن نمطية الأداء المعروف أو بعيدًا عن المظاهر الشكلية للمبادرات المتعلقة بذلك الفكر الإنساني العظيم، لأن الابتكار والإبداع في هذا المجال تحديدًا يقود إلى تحقيق تنمية اقتصادية ونهضة تنموية، إن أُحسنت الاستفادة من الفكر الإنساني المتجدد في هذا القطاع، لأنه يمكن أن يساهم وبشكل كبير في تحسين تأثير المؤسسات والشركات والبنوك وجميع القطاعات الاقتصادية الأخرى على الاقتصاد والمجتمع والبيئة، من خلال إطلاق حزمة من المبادرات الجديدة القادرة على تقديم حلول في مجال المسؤولية المجتمعية، التي تتضمن قي ثناياها أفكارًا جديدة خلاقة قادرة على إحداث تحول حقيقي في مفهوم ممارسة قطاعات الأعمال لمسؤولياتها الاجتماعية من خلال الاستثمار الحقيقي في المجتمعات المحلية عبر إطلاق مجموعة من المبادرات التعليمية والتدريبية القادرة على إحداث فارق في مجتمعاتنا المحلية، من خلال تقديم مجموعة من الأفراد المؤهلين علميًّا وتدريبيًّا لسوق العملوإعادة تأهيل الكثير من القوي العاملة في ظل سيادة تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية لأن من شأن إعادة تأهيل الكوادر وفقًا للتطورات العصرية أن يرفد سوق العمل بقوى قادرة على التكيف مع متطلباته، ولكن يجب الأخذ في الحسبان عند إطلاق مبادرات التعليم والتدريب والتأهيل الأخذ بعين الاعتبار مقدرات وقدرات الأفراد الموجه لهم مثل هذا النوع من البرامج ويجب في الوقت نفسه الانتباه إلى ضرورة التركيز على احتياجات سوق العمل. كما يجب ألا ننسى التجارب الرائدة التي قدمتها العديد من الدول العالمية وفي منطقتنا العربية تحديدًا من برامج تستهدف الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة أو أصحاب الهمم وكيف طوعت العديد من المبادرات الكثير من البرامج لتقديم فئة قادرة على إحداث فارق حقيقي للمجتمع والاقتصاد من أصحاب الهمم الذين يشهد لهم المجتمع الإماراتي تحديدًا بمساهمة مقدرة وملموسة في سوق العمل من خلال برامج مبتكرة استطاعت تقديم المشورة والتأهيل لهم ودمجهم في المجتمع المحلي القادر على استيعابهم وتقدير مساهماتهم الفعلية. إن عملية البناء الإنساني هذه أيضًا تستلزم الالتفات الي العديد من التقنيات التي يمكن أن تحدث طفرة حقيقية في برامج المسؤولية المجتمعية، وقد عرض على شخصيًّا أكثر من ثلاث برامج متميزة ومبدعة وطموحة من مخترعين عرب عن كيفية ضبط الخلايا الدماغية للأطفال ذوي الحركة المفرطة وبرنامج وتقنية أخرى عن برنامج تقني يستهدف فئة الأطفال ذوي الهمم وكيف يمكن لهذه التقنية أن تساعد في إعادة الدمج المجتمعي،ولكن ما ينقص كل هذه الأفكار هو الدعم المالي واللوجستي. من هنا أكاد أجزم بأن فكرة حاضنات الأعمال العربية تأتي على قمة هرم المبادرات الخاصة بالمسؤولية المجتمعية، وكيف يمكن ان تساهم من خلال نقل الفكرة لدي الشباب العربي إلى منتج أو خدمة قادرتين على إحداث الفارق الحقيقي في عملية التنمية الاقتصادية والمجتمعية، وما يتبع ذلك من مبادرات أخرى تختص بالتمويل أو الاستثمار في هذه الأفكار التي تقدمها تلك الحواضن من خلال استحداث واستحضار تجارب التمويل الجماعي التي يلعب فيها المجتمع الدور الأكبر في رعاية هذه الأفكار والمقترحات، وهو ما يمكن أن نَعدَّه أسمى غايات المسؤولية المجتمعية، لأن من شأن ذلك ظهور منتجات وخدمات جديدة أو إضافة خدمة أو منتج موجود بالأصل، ما يعني زيادة التوظيف وخلق عرض على القوة العاملة، بما يساعد في تحريك الدورة الاقتصادية، ليكون مؤداه دفع مسيرة التنمية وزيادة الناتج المحلي للدولة. ولما كان القطاع المالي المصرفي من أهم القطاعات التي توجد في أي دولة،فلابد من التركيز عليه في ابتكار أدوات جديدة للمسؤولية المجتمعية، بدلا من الاكتفاء بعمليات التبرع، ويمكن في هذا الصدد أن نذكر على سبيل المثال العمل على أفكار خاصة بالتمويل المستدام من مفهوم القروض الخضراء، وهي قروض مخصصة للإسهام في تحسين البيئة كمشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة. في هذا الصدد كنت قد اقترحت بعد منخفض الهدير أن تقوم البلديات والجهات الحكومية بتشجيع المواطنين والمقيمين في الدولة على إنشاءخزانات مياه داخل منازلهم، إن سمح بذلك لتخزين المياه وعمل مخزون متجدد من مياه الأمطار وبشكل بسيط للغاية، وفي سبيل ذلك يحق للبلديات تقديم مكافآت أو مزايا للمشاركين في تنفيذ الفكرة، وأتمنى أن تسنح الفرصة لتقديم مقترح متكامل عن تلك الفكرة. كما يمكن للبنوك والمصارف المشاركة بجزء من الميزانيات المرصودة للتمويل أن تخصص نسبة من تلك التمويلات لمشروعات تحقق أهدافًا اجتماعية،مثل الرعاية الصحية والإسكان الميسر والتعليم والتدريب، وكذلك تمويل ودعم المبادرات التعليمية والتدريبية في المجتمعات المحلية لتحسين فرص العمل والمهارات. إن الابتكار في المسؤولية المجتمعية يعزز من دور الشركات والبنوك كمؤسسات مواطنة مسؤولة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة في المجتمعات التي تعمل فيها. كما أن تقديم حلول جديدة مبتكرة في مجال المسؤولية الاجتماعية يتطلب تفكيرًا مبدعًا، بعيدًا عن الآليات المتعارف عليها، كما يتطلب تعاونًا بين جهات متعددة، ويجب في هذا الخصوص أن ننبه إلى أن الإبداع والابتكار يتطلبان بعدًا عن الروتين والبيروقراطية، ويتطلبان كذلك استخدامًا مرنًا للتطبيقات والحلول الذكية والمنصات الرقمية لتحسين التواصل وتعزيز الشفافية بين الشركات والمجتمع، كما أنه من شأن التعاون بين منظمات المجتمع المدني والقطاع العام والخاص يمكن أن ينتج حلولا مستدامة مثل الشراكة بين شركات التكنولوجيا ومنظمات الصحة لتوفير خدمات طبية مبتكرة للمناطق النائية أو بين الشركات القنية واتحادات المزارعين، بحيث يمكنهم التوصل إلى حلول جديدة لمشكلة ندرة المياه وملوحتها، أو تصميم منتجات وخدمات تراعي الجوانب البيئية والاجتماعية. هذا يمكن أن يشمل استخدام موادَّ معاد تدويرها، تقنيات توفير الطاقة، وتصميم عمليات إنتاج صديقة للبيئة أو من خلال تطوير برامج تعليمية وتدريبية تستهدف تحسين مهارات الأفراد وتعزيز فرص العمل عبر منصات التعلم الإلكتروني، وورش العمل، أو الشراكة مع المؤسسات التعليمية أو منخلال الاستثمار في البحث والتطوير لإيجاد حلول جديدة للمشكلات الاجتماعية، عبر استخدام قواعد البيانات الكبيرة، ورصد الظواهر المجتمعية وتحليلها لتحديد الاحتياجات الاجتماعية وتوجيه الموارد بشكل أكثر فعالية. ويمكن في هذا الصدد استخدام برمجيات الذكاء الاصطناعي التي يمكن من خلال مجهود بشري بسيط معالجة الآلاف من البيانات وتحليلها، ومن ثم تقديم مقترحات حلول لتلك الظواهر بدمج هذه العناصر، ويمكن للمؤسسات تقديم حلول مبتكرة تعزز من المسؤولية الاجتماعية، وتساهم في التنمية المستدامة للمجتمع وتعزيز الشفافية من خلال تقديم التقارير الدورية للشركات والمؤسسات وإسهاماتها في جهود المسؤولية المجتمعية، وتوضيح ما أنفقت في سبيله لتطوير وابتكارات مبادرات جديدة كتقليل البصمة الكربونية أو مساهماتها في إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة وعمليات التشجير وإصحاح البيئة.