الأدب والسوشيال ميديا
بقلم – أسامة حراكي
الأدب والسوشيال ميديا
تمكن الأديب العربي نوعاً ما من الانتشار عبر وسائل التواصل الإجتماعي، التي يرجع لها الفضل في خلق تقارب بين المبدعين في الوطن العربي، فهذه الشبكات كسرت الحدود واختزلت المسافات الجغرافية والزمنية، وإن كان الإنتشار خارج المنطقة العربية خافتاً وأقل من المطلوب لعوامل عدة منها اللغة وكسل الترجمة ونوعية الإنتاج، ولا شك أن الوسائط الحديثة قد ساعدت كثيراً في حرية التعبير وانطلاق الأفكار وتوصيل المحتوى بلا قيد رقابي أو مقص سياسي أو أيديولوجي ضيق، مما يساعد الأديب على تجاوز قيود المصادرة لأدبه، لكن يظل الإشكال في المتلقي الذي عليه المراد.
فهل ساعد الأفق المفتوح على وجود المتلقي النوعي الواعي؟
أم أنه أصبح متلقياً سطحياً غلب عليه الوقوع في دائرة العجلة والقلق والبريق الزائف والدعاية السطحية؟
وهل أفق “السوشيال ميديا” وجد المستقبل النوعي الناضج، أم أنه لا يظفر سوى بالعجلة اللاهثة وراء حركة الإصبع للبحث عما بعده، أو عن صورة مثيرة وسط تبلد الثقافة المستعجلة؟ وبشكل آخر قد يقود إلى المتلقي الغربي الذي لا يبتعد كثيراً عن المتلقي العربي، ولا شك أنه يريد الترجمة الأكثر واقعية وحرفية ليصل إلى مبتغاه، وتلك هي المشكلة الجوهرية والتي تتمثل في الترجمة ومؤسساتها الغائبة عن إيصال الإبداع العربي بأفقه المتنوع النابض والمسؤل.
اليوم تطورة نظرية التلقي وأصبحت تبحث عن التفاعل الآثير وتحاول أن تسبر غوره “معرفة ما بداخل النفس” بيد أن هذا التطور ينطوي على كثير من الأسماء ليس أولاها رداءة الإنتاج وليس أخرها أن كل من يستخدم هذه الشبكات صار بمثابة المبدع، وهذا ما يضعف الجودة ويشيع الرداءة، ورغم هذا التطور فإن المتداول عبر المنافذ التقنية، لا يعدو أن يكون ما يرتبط بالإثارة بأنواعها المختلفة أو العنف السياسي أو المهاترات المؤلمة أو لحظات الحياة اليومية الفارغة أحياناً، إلا من أصحابها العاديين الذين وجدوا في هذا الأفق إرضاءً لذواتهم البسيطة، وإلا كم من الأعمال الناضجة أو الأدب الرصين نجد على تلك المنافذ؟ سواء للأدباء أنفسهم بجهدهم، أو لمحبيهم الذين ينشرون ما يمثل قيمة حقيقية لأدبهم وإضافاتهم للمشهد الأدبي العربي العالمي.
ورغم أن “السوشيال ميديا” خدمة الأدباء في هذا العصر، إلا أنها بدلت المجالس الأدبية بالمجالس الإفتراضية، وذلك تم على حساب الجودة التي تميز بها أدب الجيل السابق الذي لم يعرف التكنولوجيا الرقمية، واليوم بوجود هذه التقنية، فقد الأدب الكثير من هيبته كما انعدمت الرقابة وتهمش دور النقاد كثيراً، وفقد الذوق العام مكانته وتغلب الرديء على الجيد بسبب سهولة النشر، وهذه الطفرة العظيمة للتكنولوجيا شيء رائع وعظيم، لكن رغم هذا لا نزال غير قادرين على عيش هذه الفاعلية والتعايش معها، فلا توجد إشارات واضحة ولا توجد ورش متخصصة للحد من سلبيات “السوشيال ميديا” وكيفية تعامل الأدباء معها.
وحينما نتحدث عن منتجات أدبية لابد أن نضع في الاعتبار أنها تعاني من فقر جماهيري لأسباب تحتاج معالجتها لجهود كبيرة، فالأدباء عموماً إما يعانون من ندرة الجمهور المتابع لهم أو من عدم تنوعهم، حيث يقتصرون في حالات كثيرة على أعداد بسيطة من المتخصصين، وإن قارنا المنتج الأدبي بغيره من الأعمال الثقافية كالفنون (غناء وموسيقى ودراما) نجد الفارق في أعداد المتلقين، وعن دور وسائط التواصل الاجتماعي في توسيع القاعدة الجماهيرية للأدباء فإن هذه الوسائط قد خففت قليلاً من غربة الأدباء، لكنها لم تتمكن من القضاء على هذه الغربة، فقد أصبح النص يصل إلى بيئات أخرى غير البيئة المحلية للأديب، لكن هذا النص يصل إلى هناك ليعاني مجدداً من البيئات الجديدة من نفس المشكلة السابقة التي واجهها في بيئته الأصلية، جمهور ينحصر في المتخصصين والمتذوقين والأدباء الذين يشبهون صاحب النص في المعاناة من المشكلة ذاتها، ويبقى دور استعمال هذه الوسائط عاجزاً عن إخراج المنتج الأدبي خارج الحدود العربية، لأن هذا المنتج في حاجة للمزيد من الاشتغال والتجويد حتى يكون صالحاً ومناسباً للمتلقين خارج النطاق العربي “أي أن التجاوز إلى العالمية تخدمه نوعية المنتج أكثر من طريقة التوصيل”.