كتب :زياد سالم
” عندما نحصل علي طعام العشاء من الجزار أو صانع الخمر أو الخباز، لا ينبع ذلك من الخير الموجود بداخلهم، ولكنه ينبع من اهتمامهم بمصلحتهم الشخصية، فنحن لا نتعامل مع إنسانيتهم ولكن مع حبهم لذاتهم ”
” أدم سميث ”
تُري من هو العدو الحقيقي لنمو ورخاء الدول ؟ هل فساد أنظمة الدول، أم انتشار وباءٍ خطير من شأنه ان يقلب اقتصاد دول العالم رأسًا علي عقِب ولا تستطيع النهوض بعدها، أم يتمثل السبب الرئيسي في الإنسان نفسه ؟
منذُ فجر التاريخ ونحن نعلم جيدًا ان الإنسان هو المتحكم الرئيسي في قرارات ومسئوليات الدول فهو المتسبب الأساسي سواء في إنتعاش اقتصاد دولته او تدهوره مما يجعلها أضحوكة في نظر جيرانها الدوليين، ولكن ماذا تفعل إذا انتشر ڤيروس في ليلة وضحاها وهّول الإنسان من هذا الڤيروس مما جعله عدوه اللدود في الساحة الاقتصادية ؟
في نهاية شهر ديسمبر من عام 2019 ظهر ڤيروس يُسمي ب ” كوفيد – 19 ” أو ” ڤيروس كورونا ” في الصين وبالتحديد في منطقة ووهان الصينية مما جعل دول العالم تخشى من تكرار أزمة الكساد العالمي العظيم عام 1933 أو الأزمة المالية العالمية عام 2008، خصوصًا ان دولة مثل الصين لها شأنها الاقتصادي بين دول العالم حيث تمتاز بأنها تستحوذ علي ثلث التصنيع علي مستوي العالم غير أنها تعُد أكبر مُصدر للسلع وثاني أقوي اقتصاد علي مستوي العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية وهذا يعني ان حدوث اي إنخفاض طفيف في الاقتصاد الصيني سيؤثر ذلك بالطبع علي الاقتصاد العالمي.
ولكن السؤال المتداول الآن علي الساحة الدولية ومن ثم الساحة الاقتصادية : هل ڤيروس كورونا مُهدد حقيقي للدول واقتصادها القومي أم هي بِدعة اختلقتها الصين لتتصدر عرش الاقتصاد العالمي ؟
بالطبع الإجابة علي هذا التساؤل ستختلف وجهات النظر به من بين الخبراء الاقتصاديين علي مستوي العالم خصوصًا ان أثار الڤيروس علي الاقتصاد العالمي ليست هينة منذُ ظهوره في أواخر العام الماضي.
حيث وفقًا لتقارير شهر مارس من عام 2020 التي تُشير إلي حدوث انخفاض الإنتاج في الصين بنسبة 2% مما تسببت في أثار مضاعفة علي الاقتصاد العالمي وبالتالي انتشار الأزمة إلي الأسواق الآسيوية والأمريكية علي حدٍ سواء، فقد تسببت تلك الأزمة إلي حدوث تدهور حاد في التجارة بين الدول إلي ان انخفضت بمعدل 50 مليار دولار في شهر مارس وتُعد أكثر الاقتصادات تضررًا من تلك الأزمة كلاً من : الإتحاد الأوروبي ( 15,5 مليار دولار )، الولايات المتحدة ( 5,8 مليار دولار )، اليابان ( 5.2 مليار دولار ).
لم تستطع حكومات الدول في بداية الأزمة السيطرة علي اقتصادها القومي بسبب إرتفاع أعداد المصابين التي تزداد يومًا بعد يوم علي مستوي العالم وأصبحت الدول أمام تحدٍ رئيسي وأمام تساؤل خطير تكاد تتشتت له العقول والأذهان ألا وهو : هل ستُضحي الدول باقتصادها القومي ومكانتها الدولية في سبيل إنقاذ شعبها من إنتقال الڤيروس أم ستختار السيادة الدولية والاقتصادية وتُضحي بشعبها في مواجهة تلك الأزمة ؟
الإنسانية تُفرض علينا ان نتنازل عن مكانتنا الدولية ولو مؤقتًا في سبيل راحة شعوبنا وهذا ما فعلته دول العالم في مواجهة تلك الأزمة من فرض الإغلاق الشامل علي مستوي البلاد ووقف خطوط الطيران الجوي بينها وبين دول العالم وبالتحديد الصين خوفًا من إنتشار العدوي إلي مواطنيها.
حيثُ دولة مثل إيطاليا عانت الكثير من تلك الأزمة من إرتفاع أعداد المصابين والوفيات التي كانت تزيد بشكل مخيف يومًا بعد يوم مما جعلها تتخلي عن قوة اقتصادها في سبيل إنقاذ شعبها، حيثُ إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ومصدرًا رئيسياً للألات والمنسوجات والسلع الأخري، أول دولة غربية تُعطل معظم صناعتها منذُ تفشي أزمة كورونا.
ولكن دول مثل الولايات المتحدة، الصين، إيطاليا، فرنسا وغيرها من الدول المتقدمة ستستطيع النهوض حتمًا من تلك الأزمة حتي ولو عانت الكثير في الفترة الحالية.
بالطبع كل الخوف علي مستقبل الدول النامية بعد انتهاء تلك الأزمة وهل ستستطيع ان تشد من أوزارها لمواكبة موجة التقدم الصناعي العالمي أم ستختفي من علي الساحة الدولية قبل أن تظهر ؟
توقعات الخبراء الاقتصاديين لتلك الأزمة كانت مخيفة إلي حدِ كبير سواء للدول أو للاقتصاد العالمي حيث توقع الخبير الاقتصادي ” فيري غولدمان ساكس ” ان اقتصاد الولايات المتحدة سيتراجع بنسبة 25% في خلال تلك الأزمة، بينما توقع تراجع اقتصاد منطقة اليورو 11% في الربع الثاني من عام 2020.
كما توقع أيضًا ” جربر مورغان ” ان يتراجع اقتصاد الصين في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 40% وهو أسوأ ركود في 50 عاماً.
تلك الأزمة قد أدت بالفعل إلي فقدان الكثير من الأفراد وظائفهم علي مستوي العالم واللجوء إلي دولهم لطلب إعانات بطالة لمواجهة خفض الإستهلاك والطلب علي السلع والخدمات نتيجةً لهذا الأمر، حيث قدّرت الأمم المتحدة انه يمكن فقدان ما يقرب حوالي من 25 مليون وظيفة أثناء تلك الأزمة.
التوقعات المتداولة في فترة ظهور الأزمة بين الخبراء الاقتصاديين ان الڤيروس سيبدأ في الإنتشار بمعدل متسارع في الربع الأول من العام الجاري مما سيكون له تداعيات ونتائج سلبية علي الاقتصاد العالمي، بينما يبدأ في التعافي خلال الربع الثاني والإنتعاش في مرحلة الربع الثالث من عام 2020 ولكن توقعات منظمة صندوق النقد الدولي وتقرير آفاق الاقتصاد العالمي أثبتت خطأ تلك التوقعات خصوصًا ان تلك الأزمة هي أسوأ فترة يعيشها الاقتصاد العالمي مقارنةً بالأزمة المالية العالمية عام 2008، وتشير التوقعات إلي ان نمو الاقتصاد العالمي لن يتخطي حاجز ال 1,2% هذا العام مما له من أثار سلبية علي نمو اقتصادات الدول علي مستوي العالم.
حيثُ من المتوقع ان بعد إنتهاء تلك الأزمة ان يحدث إنكماش اقتصادي في كلاً من الولايات المتحدة، منطقة اليورو، المملكة المتحدة، اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بنسب -8%، -8,8%، -10,2%، -5,4% علي الترتيب.
من المتوقع أيضًا ان تبدأ الأسواق العالمية في التعافي الاقتصادي في حلول عام 2021 ولكن ذلك في حالة تطبيق الدول لسياسات اقتصادية قوية وفعّالة قادرة علي تخطي تلك الأزمة والخروج بأقل الخسائر المُمكنة في نهاية العام الجاري.
وأخيرًا من وجهة نظرك عزيزي القارئ : تُري بعد انتهاء أزمة كورونا، هل ستظل الولايات المتحدة الأمريكية هي المتصدر لعرش الاقتصاد العالمي، أم تفاجأها الصين وتحتل الصدارة، أم سيكون لدولٍ أخري غير متوقعة ان تدخل سباق التنافس بينهما ؟
المصادر:
https://www.imf.org/…/1331641-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D9%…
https://www.alarabiya.net/…/%D8%AA%D9%88%D9%82%D8%B9%D8%A7%…
https://news.un.org/ar/story/2020/03/1050531
https://www.ecytrend.com/%d8%b5%d9%86%d8%af%d9%88%d9%82-%d…/
https://arabic.cnn.com/…/1333678-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%A1-%…
https://mostaqbal.ae/coronavirus-on-the-global-economy-sta…/