كتبت ….ريهام سمير
مرحلة الشباب تعتبر مرحلة خطيرة ومهمة جداً ، بل تحتاج أن يُحسن التخطيط لها ، وإستثمارها وتوجيهها وإلا فأنها طاقة متفجرة يمكن أن تنفجر في نفسها أو في غيرها ما لم يسمع لأفكارهم وأرائهم ومقترحاتهم ، ودائما ما يقوم بهذا الدور هم الأسرة أولاً ومن ثم المجتمع بما يشمل من مدارس وجامعات وغيرها من مؤسسات مطالبة بالإستماع إلي هؤلاء وتوجيههم وتعليمهم الصواب من الخطأ ، وعدم رفضهم لمجرد أنهم مقصرين في جزء ما أو فشلوا في مرحلة، ليس معني هذا أنهم نكرة أو نتركهم في منتصف الطريق ونحكم عليهم دون أن نعرف أسباب المشكلة .
حقيقة الأمر أن جزءاً من أسباب الفجوة الحادثة بين الشباب والأهل أو المجتمع ، هو أن كل منهم يعتقد أنه علي صواب والأخر هو المخطئ ، إلا أنه يجب علي الشباب ألا ينظروا هذه النظرة إلي المجتمع ولا ينبغي علي المجتمع أن ينظر إلي الشباب من هذا المنظور .
فإذا لم يعرف الإنسان أحوال أهل زمانه معرفة جيدة ، يصبح من الصعب عليه أن يستجيب لإحتياجاته ، وأعتقد أن الشباب في العالم كله يمر بأزمات كثيرة جداً سببها عدم الفهم أو تقبله وإحتوائه ، دائما ما نري أن الشباب عندما لا يلقي إهتمام من الأهل ورفض من الجميع لمجرد خطأ إرتكبه أو فعل سئ حدث ، يلجأ إلي عالمه الإفتراضي ويتقوقع علي نفسه ويفضل أن يصنع لنفسه عالم خاص به يستطيع أن يتقبله من خلاله الجميع لأنه غير مرئي أو معروف ، فيصنع لنفسه شخصية وهمية يستطيع تشكيلها بما يناسب إحتياجاته ورغباته ، وأخرون لا يشعرون بقيمتهم بين الأهل والمقربين فيلجأون إلي تعاطي المخدرات أو فعل أشياء غير طبيعية للفت الإنتباه من شذوذ جنسي وإقامة علاقات غير شرعية ، فقط ليقول للمجتمع أنا موجود.
فماذا يريد الشباب ؟ ولماذا دائما لا يتقبلون أراء العلماء؟
هل لأنهم مفتقدين فهم إحتياجاتهم أم أن العلماء لا يتطلعون إلي أفكارهم ؟
ومن منظور هذا نجد أن الإجابات تحتوي علي كثير من الدوافع التي تؤدي إلي تلك المشكلات والتي تقود بعض الشباب إلي فعل أشياء غير مقبولة.
المعروف أن أول من يُطلب منهم الدعم المادي والمعنوي للشباب هما الأبوان ، واللذان يقومان بتعليمهم كيفية مواجهة المشاكل والقدرة علي حلها ، وبذلك يساعدان الأبناء التغلب علي أشد المصاعب ، ولكن مع غياب الأب والأم يصبح الأمر صعب جداً ، وأنا لا أتحدث عن الغياب بمعني عدم التواجد ولكن التواجد المنعدم ، فحالياً كل من الأب والأم يحمل جهازه الخاص به (الموبايل) ويدخل في عالم إفتراضي لتكوين صدقات وتخفيف ضغوطات الحياة ، ودائما ما يعتقد الأب أن دوره الأول والأخير يقتصر علي المال وتوفير الإحتياجات المادية ، وكذلك الأم تعتقد أنها عندما تحضر الطعام وتلبي إحتياجاتهم من مأكل وملبس وتأدية مهامها المنزلية هذا واجبها إتجاه الأسرة ، ولكن أين تربية الأولاد من كل هذا ؟
الإبن أو الإبنة داخل حجراتهم بالساعات ولم يعرفوا عنهم أي شئ ، مما يترتب عليه ما نشاهده الأن من البرامج المبتذلة كالتيك توك وغيره ، الذي أظهر لنا كثيراً من الفضائح وأن الأهل لا يعرفون شئ عن أبنائهم ، تاركين لهم الحرية الكاملة في التصرف ولا يتكلمون معهم في المشكلات ولا يتحاورون ولا يتناقشون في أمور حياتهم ، كل هذا سبب فجوة كبيرة بين الأبناء والأسرة.
ومن ناحية أخري نجد المجتمع الذي يحكمهم بأنظمة تعليمية وقيود قد تطيح بمستقبلهم وتضيعهم ، مجموع يجبرهم علي دخول كليات معينة عكس رغباتهم وقدراتهم فيتخرجون يبحثون عن عمل في مجالات غير دراستهم وإذا لم يحالفهم الحظ يتجهون إلي القهاوي والكافيهات ، وتستمر رحلة العذاب بين متطلبات الشباب والواقع المرير ، والإضطهاد القائم بين الأسرة والمجتمع ضد الشباب واحتياجاته. وكذلك علماء الدين وتكفيرهم لأفعال الشباب والتربص والتصيد للأخطاء ومهاجمتهم ، بدلاً من وضع حلول وإحتواء المشكلة والبحث عن أسباب حدوثها ، ومحاولة إقناع الشباب بطرق مختلفة أكثر جذباً لهم لتعريفهم أمور دينهم والطريق الصحيح الذي من المفترض أن يسلكوه.
هكذا الشباب مشتت ما بين الأسرة والمجتمع والعلماء لم يستطع أن يجد نفسه في أي مكان ، فلجأ للمخدرات والإدمان ومن ثم الشذوذ الجنسي وأخيراً ظاهرة الإلحاد التي إنتشرت في الفترة الأخيرة.
وختاماً لابد من الإشارة إلي أن ترويض النفس علي الصبر وزرع القيم فيها مهمة كبيرة ، تشترك فبها الأسرة والمجتمع بمختلف مؤسساته وعلماء الدين وأن الوعي بالجوانب العديدة المؤثرة والفعالة في تكوين قدرة الإنسان علي مواجهة نفسه ونوازعها ومواجهة مشكلات الحياة المتنوعة هو أمر ضروري وأساسي ، مما يجعل كل فرد أكثر بصيرة وتفهماً لنفسه وغيره ويجعله يساهم بشكل إيجابي بسلوكه الناضج السوي لِيُكون قدرته علي الصبر وتحمل المسئوليات.